المقدسات ليست للفلسطينيين وحدهم
| يوسف جاد الحق
دأب الفلسطينيون العرب، منذ بداية الغزو الاستيطاني الصهيوني، والاستعمار الغربي، على الدفاع عن فلسطينهم، باذلين من أجلها دماءهم وأرواحهم وهناءة عيشهم، على مدى قرنٍ من الزمن ونيِّف حتى يومنا هذا، ولم يتوانوا يوماً عن حمل مسؤوليتهم للذود عن ديارهم، على الرغم من فارق القوة بينهم وبين أعدائهم في كل شيء، عدا إيمانهم اليقيني بحقوقهم وبالنصر الآتي حتماً في نهاية المطاف، ذلك أنهم يوقنون بأن اللـه قد خصَّهم بشرف الدفاع عن أقدس بقاع الأرض، التي باركها في كتبه المقدسة.
على مرّ التاريخ دافع المسلمون عن مقدسات إخوانهم المسيحيين، كدفاعهم عن مقدساتهم، وقد فعل إخوانهم المسيحيون الشيء ذاته حيال تلكم المقدسات، ونحن نرى اليوم وفي كل حين المطران حنا عطا اللـه في دفاعه الرائع عن فلسطين الوطن والعروبة يقف إلى جانب الشيخ رائد صلاح، جنباً إلى جنب في سائر الظروف، مثال واحد من كثير في هذا الصدد، والشعار المرفوع دائماً هو فلسطين الشعب الواحد دونما تمييز، رغم سعي الأعداء إلى إيجاده واختلاقه للتفريق بين أبنائه الذين يضربون المثل للعالم كله بأروع صور الإخاء الإنساني في حرية المعتقد، والانضواء تحت لواء المحبة والمواطنة الحقة، الجامع الحضاري الأرقى على الدوام.
يشكل المسلمون والمسيحيون في عالم اليوم نصف سكانه، أي ما يناهز أو ينوف على ثلاثة مليارات نسمة، فإذا لم يدافع هؤلاء معاً عن موطن ديانتهم فمن ذا الذي عليه أن يحمل مسؤولية ذلك والغريب العجيب أن يهود العالم الذي لا يزيد تعدادهم على خمسة عشر مليوناً من البشر في سائر أرجاء المعمورة، ومع ذلك فهم يستطيعون تمرير ألاعيبهم، والوصول إلى مراميهم وأهدافهم الشريرة، بل أكثر من ذلك إرهاب من يحاول الوقوف في وجهها، ولو بالكلام وحده، فمن ذا الذي يجرؤ، في الغرب على الخصوص، على التشكيك وبالوثيقة التاريخية، في مسألة الـ«هولوكست» التي ما انفكوا عن استغلالها ورفعها إلى مقام القداسة التي تفوق كل قداسة حقيقية غيرها، ومعاقبة الفاعل باتهامه بـ«معاداة السامية»، تلك الأسطوانة المهترئة التي آن للعالم كله أن يقف أمامها مراجعاً موقفه منها، والكف عن اتخاذها ذريعة لقيامهم باقتراف أفظع الجرائم التي عرفها البشر حيال أبناء فلسطين التي اغتصبوها من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، أي أصحاب الديانتين الأعظم والأكبر في العالم المعاصر.
هذه الحقيقة يعرفها العدو نفسه، ولعلها أكثر ما ينغص عليه عيشه، فلا يركن إلى الاستقرار، ومن ثم الاستمتاع بما اغتصبه من أصحاب البلاد، بل أمسى اليوم يحسب لمسألة وجوده على هذه الأرض الحساب كله.
غير أن ما يدعو إلى العجب، وإلى الأسف والأسى والألم، أن نرى العالمين العربي والإسلامي لا يعطيان المسألة حقها، ولا يشاركان الفلسطينيين، وحلف المقاومة، المسؤولية في الدفاع والنضال والقتال ضد العدو المغتصب للديار المقدسة، إذ هم مسؤولون فعلاً لا قولاً، كالفلسطينيين تماماً، لأنها ليست للفلسطينيين وحدهم.
هل كان على الفلسطينيين أن يبذلوا الأرواح والدماء في كل يوم من أيام السنة وعلى مدى يناهز مئة عام، وفي التاريخ الأقرب مدى سبعين سنة، منذ قيام الكيان إياه على أرض فلسطين، على مرأى ومسمع من العالم كله، إضافة إلى مسلميه ومسيحييه من دون أن يشاركهم إخوانهم، في حمل المسؤولية والقيام بالواجب الأرضي والسماوي معاً؟
فلسطين ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، أيها الإخوة! موقف التفرج واللامبالاة، وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء، إنما هو موقف مدان، بل هو العار نفسه على أصحابه الذين بلغ ببعضهم التدني حد مصادقة العدو ومصافحته ومحالفته، على حساب بني جلدتهم المدافعين عن حياض ديارهم ومقدساتهم نيابة عن الجميع، بمن فيهم الضالعون مع العدو والمتحالفون معه، الأمر الذي يثير العجب والغضب وعميق الأسى والألم ما يشق على النفس البشرية احتماله.
اليوم تبلغ المؤامرة الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية ذروتها، متمثلة في مسألتين واضحتين لكل ذي عينين، أولاهما تقديم الرئيس الأميركي دونالد ترامب فلسطين للصهاينة، «هدية مجانية» عاصمة لـ«دولتهم» وإلى الأبد! وثانيهما، ما يروَّج لما يدعونه «صفقة القرن»، وما أدراك ما صفقة القرن هذه التي يحيطونها بالتكتم والتخفية فهل لنا، وقد بلغت الأمور مبلغها، أن نأمل أن يعود المنحرفون الضالون ليدركوا ما يبيت لفلسطين راهناً، ولهم أنفسهم لاحقاً، ولكي يعودوا عن غيهم وجهالتهم، أو عمالتهم سواء، ففلسطين ليست سوى المقدمة لما هو آت في برامجهم ومخططاتهم، لكي يسهموا مع المقاومة في إحباطها، وصولاً إلى الهدف الأسمى في نهاية المطاف، النصر المؤزر العظيم للآتي عما قريب.
فلسطين، كما أسلفنا القول، ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم.