قضايا وآراء

حرب المياه وحروب أردوغان العدوانية على سورية والعراق

| قحطان السيوفي

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخطط للحد من الحريات الديمقراطية ومنع أي نشاط معادٍ له ولنظامه الفردي إن كان ذلك عبر العمل السياسي أو الإعلامي كما يخطط للحد من تدفق المياه إلى سورية والعراق كوسيلة للضغط السياسي على دول الجوار بعد أن ساهم بدعم الحرب الإرهابية الكونية على سورية.
إنشاء السدود على نهري دجلة والفرات مأساة اجتماعية واقتصادية وثقافية لها تداعيات جيوسياسية عميقة، إضافة إلى التغير المناخي، فإن ذلك يساهم في عمليات النزوح في وقت تتفاقم مشكلة الهجرة في الشرق الأوسط وأوروبا.
ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن شخصين أحدهما في جنوب شرق تركيا والآخر في جنوب العراق يعانيان من صعوبات حياتية متقاربة ومتداخلة بسبب حرب المياه التي تشنها تركيا أردوغان على دول الجوار كلاهما مُهدد بالتهجير.
الأول سيغمر (سد إيليسو) الحكومي التركي مسقط رأسه والثاني في مستنقعات الأهوار جنوب العراق يعاني نقص المياه وهي ملوثة وغير صالحة للشرب…
أردوغان لديه مشروع لبناء 22 سداً – نهاية العام المقبل– على طول نهر دجلة والفرات، مشروع جنوب شرق الأناضول، المعروف بأحرفه الأولى التركية (جاب) أصبح متشابكا بحرب المياه مع سورية والعراق والتوترات الداخلية بين الدولة التركية، والأكراد وحتى قبل ملء خزان سد (إليسو) ذكرت وزارة المياه في العراق أن التدفقات الداخلة انخفضت هذا العام بنسبة 40 في المئة دون متوسطها. وهبطت مستويات المياه إلى درجة متدنية للغاية….
وقررت الحكومة العراقية الحد من زراعة الأرز والمحاصيل الكثيفة الاستخدام للمياه… ومع ارتفاع درجات الحرارة، فإن تأثير السدود سوف يزداد مع تراجع كميات الثلوج التي تتساقط عند منبع نهر دجلة والفرات وارتفاع معدلات التبخر.
المحللون يرون أن من أهداف أردوغان في بناء السدود هو سحق تطلعات الأكراد وإجبارهم على مغادرة أراضيهم.
تقارير الأمم المتحدة ذكرت أن التحكم في تدفق المياه من تركيا يأتي «بعواقب وخيمة»، مثل ارتفاع مستويات الملوحة وخاصة في الأهوار في العراق، التي كانت سابقاً تقدر بنحو 200 جزء في المليون، تبلغ الآن 1900 جزء في المليون Gues الحقيقــة الخطيــرة والمؤلمــة هــي أن الأمن المائــي العربــي بــات بالتدريــج تحــت رحمــة قــوى خارجيــة، تهــدد دول الجــوار الجغرافــي العربــي. تركيــا واحــدة مــن أغنــى دول العالــم بالمــوارد المائيــة، ويسعى الرئيس أردوغان لاســتخدام المـياه لتحقيــق أهــداف اقتصاديــة وسياســية واجتماعيــة علــى المســتويين الداخلــي والإقليمــي. وكســلاح سياســي للابتــزاز، وفــرض شــروطه المجحفــة.
الفرات ودجلة مياه دولية لا وطنية وهــي الصفــة التــي تطلــق فــي القانــون الدولــي علــى الأنهــار التــي تتجــاوز إقليم الدولــة التــي تنبــع منهــا، والصفــة الدوليــة للنهريــن ترســخت مــن خــلال عــدد مــن الاتفاقيــات والبروتوكــولات، التــي نظمــت بعــض أوجــه اســتغلالهما، وأرســت مرتكــزات مهمــة للتعــاون بيــن الــدول الثــلاث تركيــا وســورية والعــراق.
تركيــا لم تلتــزم بالمعاهــدات الدولية الناظمة لموضوع المياه مع دول الجوار، وعمــدت إلى الســيطرة علــى أعالــي نهــري دجلــة والفــرات، وعلــى مجمــل الأحــواض المائية وروافــد النهرين، فــي عــام ١٩٩٠ وقــع العــراق وســورية اتفاقــاً يقضــي بتحديــد حصــة العــراق بـ٥٨ بالمئــة مــن الميــاه الــواردة مــن نهــر الفــرات عنــد الحــدود التركية الســورية، وحصــة ســورية ٤٢ بالمئــة منهــا، تطلعات أردوغان العدوانية لم تقتصر على دعمه للإرهاب أفراداً وتنظيمات، في سورية، وإنما يمارس ضغوطا سياسية واقتصادية على سورية والعراق من خلال تحكمه فــي مياه نهري دجلة والفرات ويحاول أردوغان حل مشاكله الداخلية، وتطوير خططه على حساب حقوق الجوار، من دون الأخذ في الاعتبار الحق التاريخي لسورية والــعــراق في الاستفادة الكاملة من نهري دجلة والفرات.
أردوغان باشر تنفيــذ مشــروع جنــوب شــرق الأناضــول من دون استشــارات شــاملة مــع ســورية والعــراق، كمــا تقضــي بذلــك القوانيــن والتشــريعات والأعــراف الدوليــة، يضم مشروع أردوغان بنــاء جملــة مشــروعات مائيــة كبيــرة، متعــددة الأغــراض والنتائــج، تشــمل سلســلة مــن ســدود الميــاه والخزانــات، وأنفــاق إرواء، ونظــم أقنيــة الــري، ومحطــات كهرومائيــة، لاســتغلال ميــاه نهــري دجلــة والفــرات، وتقــع هــذه المشــروعات فــي الأجــزاء الجنوبيــة الشــرقية مــن تركيــا، المحاذيــة لســورية والعــراق، وتغطــي عدة مقاطعــات وبمســاحة مقدارها٧٥ ألف كــم ويتألف المشروع عنــد اكتمالــه، مــن ٢٢ ســداً و١٩ محطــة إنتاج للطاقــة الكهرومائيــة وشــبكة قنــوات الــري علــى حســاب حقــوق ســورية والعــراق، فــي ميــاه دجلــة والفــرات، وتحويلهــا إلى ســلعة تركيــة.
إن القوانيــن والأعــراف الدوليــة، لا تبيــح لتركيــا اســتغلال الســيطرة علــى ميــاه دجلــة والفــرات لأغــراض سياســية، أو اقتصاديــة، تضــر بمصالــح جيرانهــا، فالقوانيــن الدوليــة الصــادرة بهــذا الخصــوص، بــدءاً مــن معاهــدة مدريــد عــام ١٩١١، وقواعــد هلســنكي عــام ١٩٦٦، ومعاهــدات فرنســا وســالزبورغ، وقــرارات هيئــة القانونييــن الدولييــن، وجمعيــة القانــون الدولــي الأميركيــة، تنــص صراحــة على ضرورة التــزام دول المنبــع العليــا بــعدم إجراء أي تغيــير فــي مجــاري الأنهــار الدوليــة، وأن تمتنــع عــن قطعهــا، ولــو مؤقتــاً، وألا تحــد مــن جريانهــا، إلا بالاتفــاق المســبق، مــع جميــع الــدول المشــتركة، أردوغان لا يرغب بتوقيع اتفاقيات مع العراق وسورية على حد سواء، وفيما يتعلق بتقاسم مياه الأنهار اقتصر الأمر على توقيع معاهدات وترسيم الحدود والحد من إقامة السدود، وكذلك الاجتماعات الإقليمية قررت الرفض القاطع لأي فكرة لإنشاء سوقٍ للمياه ولاسيما أن القانون الدولي للأنهار الدولية لم يجز بيع دولة المنبع للمياه لدولٍ تقع أسفل النهر أو حوضه وهذا يعود لعدة أسباب من أهمها أن تركيا تعتبر الأنهار التي تربطها مع سورية والعراق هي أنهار وطنية بينما الأنهار التي تربطها مع روسيا واليونان هي أنهار دولية.
أردوغان السلطان العثماني الجديد يكرر مقولة رئيس وزراء تركيا الأسبق (توركوت أوزال): هم يبيعون النفط لنا، ونحن سنبيع الماء لهم.
حرب المياه بين تركيا والعراق وسورية إحدى حروب أردوغان العدوانية وهي صداع مُزمن تؤججه اليوم الأطماع والنزعات العدوانية للسلطان العثماني الجديد أردوغان الذي تورط في دعم الحرب الإرهابية على سورية ولا يزال مستمرا بأحلامه العثمانية التوسعية ويخوض حروبه الدونكيشوتية العدوانية مع دول الجوار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن