رياضة

ديشان دخل التاريخ وفريقه «مدرباً» عادل فريقه لاعباً … واقعية الديوك تضعهم فوق قمة المونديال

| خالد عرنوس

انفض سامر المونديال بعد شهر كامل و64 مباراة وغادر الجميع روسيا، منهم من بكّر كثيراً منكوس الرأس ومنهم من انسحب انسحاب الشرفاء ومنهم من لم تخدمه الظروف فأجبر على ترك البطولة والبعض اقتنع بما وصل إليه وفي النهاية نصب بطل واحد.. فائز كبير سيذكره التاريخ كلما استعاد ذاكرة عرس كرة القدم العالمي، إنه المنتخب الفرنسي أو «الإيكيب» أو الديوك أو الزرق كما يحلو لعشاقه وصفه، ورغم كل ما قيل أثناء البطولة أو سيقال حول الطريقة التي توج بها فإنه بطل النسخة الحادية والعشرين وثالث منتخب يتوج بالكأس مرتين ولا يتقدمه سوى البرازيل وإيطاليا وألمانيا.
بطل بأجنحة قليلة الطيران لكنها ذات ضربات موجعة وبأقدام ثابتة دافعت عن مكتسباتها بكل السبل، إنه بالنهاية بطل العالم لسنوات أربع قادمة رغم أنوف الرافضين والمحتجين على جمالية الأداء من محبي الكرة الجميلة الحياديين أو من أنصار المنتخبات الأخرى التي سقطت فرقها تباعاً أو تلك التي لم تحضر إلى روسيا أصلاً.

الغاية تبرر الوسيلة

هي مقولة هدفها الذم لكنها حقيقة قائمة خاصة في عالم كرة القدم المملوء بالغرائب والعجائب، فما بالنا في بطولة بمقام المونديال «أقوى بطولات الأرض» وعندها فإن كل شيء مباح «المهم ألا يسجل بمرماك هدف»، المنتخب الفرنسي بقامته العالية ومواهبه الرفيعة سلك هذه الدرب مع اختلاف هو أن تسجل أكثر مما تهتز شباكك، وهو ما ظهر جلياً خاصة في مباراتي الأرجنتين وكرواتيا فقد سجل في المرتين أكثر مما سجله في مبارياته الخمس الأخرى بالمونديال الروسي، وهو لم يصم عن التسجيل سوى مباراة هامشية بختام الدور الأول لكنه بالمقابل حافظ على نظافة شباكه في أربع مباريات كاملة.
لقد لعب فريق ديديه ديشان البطولة بالنفس الطويل فلم يبذل لاعبوه كثيراً من الجهد إلا عندما احتاج الأمر فلم يفز بفارق أكثر من هدف سوى مرتين مكتفياً بفارق هدف في انتصاراته الأربعة الأخرى، واعتمد الأسلوب الدفاعي الذي تشربه كلاعب مدافع (أساساً) وبالطبع اكتسب مزيداً من هذا الفكر برحلته الإيطالية التي امتدت لخمس سنوات لاعباً في اليوفي قبل أن يقوده مدرباً في موسمه الوحيد بالدرجة الثانية 2006/2007، ولا ننسى تجربته الإنكليزية كلاعب في تشيلسي أواخر أيامه كلاعب.

إصرار الواثق

لم يكن ديشان جديداً على البطولات الكبرى كحال نظرائه في مربع الكبار فقد أكسبته تجربة مونديال البرازيل 2014 وكذلك يورو 2016 خبرة استفاد منها كثيراً وخاصة في نصف النهائي والنهائي، وكان ديديه دخل دائرة الشك عند انتقاء اللائحة التي سترافقه إلى روسيا بسبب خياراته وخاصة أنه لم يستدع كريم بنزيمة أساساً وألكسندر لاكازيتي وكيفن غاميرو وهؤلاء الثلاثة يلعبون كرؤوس حربة مفضلاً عليهم جميعاً أوليفر جيرو، وتخلى عن مارسيال ومامادو ساخو ورفض الانصياع لطلب أدريان رابيو باللعب أساسيا ما أدى لانسحاب الأخير قبل إعلان التشكيلة، كل هذا وغيره جعله عرضة للانتقادات من وسائل الإعلام التي اعتبر بعضها أنه عنيد ويخلط الخلافات الشخصية بعمله.
لكن ديديه أصر على مواقفه مطالباً الجميع بمحاسبته على النتائج وليس على الأسماء أو الطريقة التي سيلعب بها، وفعلاً نجح بكل رهاناته وساعده بذلك وجود نخبة من اللاعبين القادرين على إعطائه كل ما يريد على أرض الملعب وخاصة في الجانب الهجومي ذلك أنه اختار أسماءً هي الأفضل على مستوى الشق الدفاعي، فلن يجد أفضل من مدافعي الريال والبرشا كقلبي دفاع وأمامهما كانتي الأشهر بين قاطعي الكرات في العالم.

فريق متكامل

إذا نجح ديشان وفريقه بتسيير الأمور على هواهم ولاسيما مع ظهور مفاجئ للظهيرين بافار وهيرنانديز وهما من الوجوه الشابة مع المنتخب لكنهما بالنهاية كانا عند حسن ظن مدربهما، وفي المرمى كانت الثقة حاضرة بوجود لوريس الذي منحه المدرب شارة الكابتن، وأدى بوغبا دوره على الوجه الأكمل دفاعياً وهجومياً فشكل مع كانتي حائطاً (بيتونياً) ومع مبابي وغريزمان مثلثاً أرعب المنافسين هجومياً، وعلى هذا الصعيد كان الأخيران بالموعد وشكلا عاملاً حاسماً في أكثر من موقعة وخاصة أمام الأرجنتين وكرواتيا، أما جيرو المهاجم الصريح الذي لم يسجل أي هدف خلال البطولة فقد دافع ديشان عنه باستماتة مؤكداً أن عدم تسجيله الأهداف لا يعني أنه غير مفيد فقد أدى أدواراً دفاعية في الكثير من الحالات وتكفل بإشغال مدافع أو اثنين في معظم الأحيان.
وأدى البدلاء أدوارهم بكفاءة على الرغم من أن التبديلات خلال المباريات باتت محفوظة للمتابعين لكن يحسب لماتويدي وتوليسو أنهما قاما بالواجب والأول أدى مباراة للذكرى أمام بلجيكا وساهم نزونزي خلال الدقائق القليلة التي لعبها في مساندة لاعبي الوسط ولم يظهر معدن نبيل فقير الحقيقي وهو الذي شارك قرابة الساعة موزعة على 7 مباريات، ومثله الذين شاركوا كبدلاء في مباراة الدنمارك.

لا مكان للتخاذل

مع وجود كل هؤلاء وبعضهم يشغل سوق الانتقالات دلالة على أهميته لم يشأ ديديه المغامرة الهجومية التي ربما ستحسن الصورة إلى لوحة أكثر جمالية لكنها غير مضمونة العواقب كما حدث مع إسبانيا وألمانيا ثم البرازيل وأخيراً بلجيكا وكرواتيا، ولعب بطريقة دفاعية كلاسيكية على طريقة «كاتناشيو» إنتر ميلانو عندما اخترعها هيلينو هيريرا لأجل فريق النييرازوي في الستينيات والتي باتت مثلاً خالداً لكل الفرق الإيطالية وبعض مقلديها وأحدها منتخب الديوك الذي نفذ هذه الطريقة على الورق بشكل أفضل من الإنتر نفسه، وذلك بفضل نوعية اللاعبين الموجودة لدى ديشان.
فتحولت طريقة اللعب من (4-2-3-1) الأساسية أو (على الورق) إلى (3-6-1) عند جس نبض الفريق المنافس وإلى (6-3-1) عند الهجوم الضاغط للمنافس وإلى (2-5-3) عند الارتداد الهجومي، وقد اعتمد في هذا الجانب مبابي بالكرة وتمريرات بوغبا والظهيرين الأمامية أو الطولية التي شكلت ضغطاً إضافياً على المنافس ما أربك الخصوم فسجل هؤلاء أهدافاً حاسمة من مثل هذه الهجمات عدا الفرص المهدرة.

مقارنات بسيطة

بعيداً عن أحقية المنتخب الفرنسي باللقب من عدمه فقد دأب كثيرون على إجراء المقارنة بين الجيل الحالي وبين جيل 1998 الذي توج باللقب الأول فنجد أن طريق فريق 2018 كان أسهل على الرغم من وجود عوامل مشابهة بينهما، فتشكيلة إيميه جاكيه ضمت نخبة من اللاعبين الرائعين الذين جعلوا من اللاعب الفرنسي «ماركة مسجلة» ومطلوباً في الأندية الكبرى، وفوق ذلك جاء تأهل ذاك الفريق إلى الدور الثاني بسهولة وبعلامة كاملة، لكنه مع بداية الدور الثاني احتاج إلى الهدف الذهبي ليتخطى البارغواي وجاء الهدف من مدافع (لوران بلان) وفي ربع النهائي انقاد إلى ركلات الترجيح أمام جاره الإيطالي بعد التعادل السلبي وابتسمت يومها لبارتيز وفي نصف النهائي قلب تأخره أمام كرواتيا بهدف إلى فوز بهدفين بفضل تألق استثنائي من مدافع آخر (ليليان تورام)، وجاء النهائي أسهل من المتوقع وفيه تفوق على البرازيل بالثلاثة.
وفي 2018 لم يختبر الفريق جدياً بالدور الأول وفي الدور الثاني كان الاختبار الأصعب أمام الأرجنتين وحسمه مبابي وبافار (المدافع) وقد سجل الأخير هدفاً رائعاً وفي دور الثمانية حسم فاران (المدافع) وخطأ جسيم من الحارس الأورغوياني المباراة بهدفين وفي نصف النهائي كانت المواجهة الأصعب أمام بلجيكا وجاء الحسم من المدافع (أومتيتي) وفي النهائي لعب الحظ والنيران الصديقة دوراً في تقدمه 2/1 بالشوط الأول فمن هجمتين فقط وركلتين ثابتتين سجل ماندزوكيتش بالخطأ وغريزمان من جزاء، وفي الشوط الثاني وخلال 6 دقائق فقط ضرب بوغبا ومبابي بفعل الهجوم المرتد السريع ومن كرتين بعيدتين فكان أن توج الفريق باللقب دون المزيد من الضغوطات.

فلاشات فرنسية

– 7 مباريات خاضها المنتخب الفرنسي في مونديال روسيا ففاز بست منها وتعادل بواحدة وسجل لاعبوه 14 هدفاً مقابل 6 بمرماهم، وبالمقابل سجل فريق (1998) 15 هدفاً واهتزت شباكه مرتين فقط من خلال ستة انتصارات وتعادل وحيد أيضاً.
– تسعة لاعبين تكفلوا بالتسجيل بمونديال 1998 واستفاد الفرنسيون من هدف عكسي على حين سجل 6 لاعبين في المونديال الحالي واستفاد الفريق أيضاً من هدفين عكسيين، ولم يحتسب لفريق 1998 أي ركلة جزاء على حين جاءت ثلاثة من أهداف 2018 عبر نقطة الجزاء.
– أشرك ديشان 21 لاعباً في البطولة ووحدهما المدافع عادل رامي والحارس الثالث أريولا لم يلعبا ولو لدقيقة واحدة، ولعب فاران كامل الدقائق (630 دقيقة) يليه كانتي (595 دقيقة)، أما أقل اللاعبين ظهوراً فهو المهاجم توفين الذي شارك لدقيقتين فقط.
– 12 بطاقة صفراء تلقاها اللاعبون في البطولة منها إنذاران بوجه كل من كانتي وهيرنانديز وماتويدي ومبابي، على حين تلقى المنافسون 17 بطاقة صفراء في المباريات السبع.
– بهدف ماندزوكيتش العكسي بمرماه أصبح المنتخب الفرنسي الأكثر استفادة من النيران الصديقة بتاريخ المونديال بستة أهداف مقابل 5 أهداف لمصلحة ألمانيا بشقيها الغربي والشرقي.
– ثلاثة أهداف سجلها غريزمان من علامة الجزاء فارتفع عدد أهداف فرنسا بهذه الطريقة إلى 13 هدفاً بتاريخ البطولة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن