تموز المقاومة يزهر في الجنوبين
| محمد نادر العمري
ليس مصادفة أن يتم تحرير المنطقة الجنوبية من سورية بما تتمتع به من أهمية وحساسية من حيث موقعها «الجيوعسكري» مع ذكرى انتصار تموز2006، فمنذ عقود يبدو أن الإستراتيجيات المشتركة أميركياً وإسرائيلياً سعت لتقسيم المنطقة بكافة أساليب الحروب (الاستباقية الوقائية المباشرة) لإنشاء منظومة شرق أوسطية جديدة تتحكم تل أبيب في إدارة مدخلات ومخرجات توازنها ويجعلها الفاعل المركزي والمتحكم بقدراتها، بما يناسب المصالح الأميركية ويحقق أجنداتها في المنطقة ويحافظ على هيمنتها الدولية، وهذا ما عبر عنه أكثر من مسؤول أميركي كان أكثرها صراحة وزيرة الخارجية الأميركية «كوندليزا رايس» أثناء العدوان الإسرائيلي عام 2006، عندما قالت إن هناك مخاضاً تشهده منطقة الشرق الأوسط، لتظهر بذلك أن هدف الحروب إضعاف دول المنطقة وتأمين الظروف الموضوعية للفوضى.
فشل هذا المخاض في رؤية النور عام 2006 ودفنه قبل ولادته نتيجة انتصار المقاومة، دفع الولايات المتحدة الأميركية لاستبدل إستراتيجيتها في الاعتماد على السياسة الناعمة أو «الثورات الملونة» من خلال دعم الاحتجاجات والفوضى داخل دول ما سمي «بالربيع العربي» عموماً وفي سورية خصوصاً، وسعت لتنفيذ هذا المسار إلى اللجوء لتكتيكات المقاومة، من حيث تشكيل مجموعات مسلحة تحمل أسماء إسلامية وتخوض حرب العصابات ضد الجيش السوري وحفر الخنادق وامتلاك قدرة صاروخية ومدفعية سهلة التنقل والتخفي، في مسعى منها لتشويه صورة المقاومة بالدرجة الأولى والخلط بينها وبين المجموعات الإرهابية كخطوة ثانية وإيجاد الغطاء السياسي لفرض العقوبات عليها وعزلها واستهدافها عسكرياً ثالثاً وإلصاق تهمة دعم الإرهاب لمن يحتض المقاومة ويساندها.
هذا المسعى الأميركي الإسرائيلي، وصل لحائط مسدود ليس فقط لدخول الروس معركة ضد الإرهاب إلى جانب محور المقاومة وثبات الحلفاء وبخاصة طهران وحزب اللـه على مواقفهم إلى جانب دمشق في حرب تقرير المصير، بل لامتلاك الجيش السوري ومحور المقاومة عقيدة وهدفاً وقضية يدافعون عنها على عكس المرتزقة، نعم مرتزقة تم توظيفهم بالمال، بل أعطوا صبغة طائفية لتبرير جرائمهم وبمظلة وغطاء سياسي من الدول الإقليمية في صراعها مع محور المقاومة.
انتصار تموز 2018 في درعا هو امتداد لانتصار 2006 فالحلفاء هم ذاتهم والأعداء هم ذاتهم مع فارق وحيد، أن نصر تموز غير قواعد الاشتباك بين الحزب والكيان الإسرائيلي، على حين انتصار الحرب على الإرهاب في سورية غير قواعد الاشتباك على مستوى النظام الإقليمي في ظل الانكفاء الأميركي مقابل عودة روسيا للعب دور الخصم له وملء الفراغ، مع التوقف عند النقاط التالية:
تجاوز محور المقاومة القدرة على توازن الردع مع إسرائيل وهو التوازن الذي يمنع دولة الاحتلال من شنّ العدوان احتساباً للخسائر التي تتلقاها مقابل أي عدوان وبخاصة بعد «ليلة الصواريخ» في شهر أيار الماضي.
نضوج تكتلين في المنطقة الأول تحالف دول الخليج مع إسرائيل بذريعة أولوية مواجهة التهديد الإيراني ومحور المقاومة في ظل إدارة ترامب الأكثر رعاية وحماية لإسرائيل، والأكثر وضوحاً وجرأة وصدقية في عدائها للإسلام والمقاومة ولإيران، والثاني محور المقاومة الذي اتسعت خارطته الجغرافية وزاد من إمكاناته الردعية وراكم خبراته القتالية، وتداخلات جبهاته بدخول العراق إليه ولو بشكل ضمني.
التحولات الإستراتيجية التي شهدتها المنطقة بعودة ملامح الثنائية القطبية إليها بعد عقدين ونصف من الهيمنة الأميركية عليها.
من الواضح أن المقاومة أثبتت قدرتها في مواجهة المخططات التقسيمية للمنطقة والتي لا يوجد أي مؤشر عن توقف استمرارية السعي الأميركي باللجوء إليها، وهذا الخيار المقاوم بالنسبة لداعميه من طهران لبيروت مروراً بدمشق وبغداد هو الخيار الأمثل والوحيد للدفاع عن الحقوق والسيادة في ظل انحطاط العروبة المستباحة والمنتهكة من العرب ذاتهم الذين سارعوا للاعتراف بحق إسرائيل في إقامة دولتها المزعومة وحقها في الدفاع عن نفسها ضد حركات المقاومة، وهم في صدد تشكيل تكتل وتحالف عسكري وأمني واقتصادي مع الكيان لمواجهة إيران ومحور المقاومة، بعد أن طالبهم وزير أمن دولة الاحتلال «أفيغدور ليبرمان» بالخروج من جحورهم العاجية، ويبقى السؤال هل تكون المقاومة البديل الأكثر واقعية من العروبة؟