قضايا وآراء

قد يحدث ذات يوم

| اسكندر لوقــا

يتمنى المرء، وهو يعاني سقوط الإنسان في خندق الخطيئة، وعزمه على الاستمرار في عملية السقوط فيه، ألا يأتي يوم في تاريخ أحد كواكب الفضاء المسكونة يقال فيه، على لسان علمائه: كان هناك على كوكب الأرض في الزمن الغابر، قبل مليون سنة أو أكثر، مخلوق يدعى إنساناً ولكنه لم يعد موجوداً اليوم، وذلك بسبب الحروب التي شنّها ضد بني جنسه، وكذلك بنتيجة الأطماع التي جعلته يقطع البحار الشاسعة، ويتخطى الجبال الشاهقة، والسهول التي لا أبعاد لها ليغزو أرضاً ليست له، وليستوطن بلداناً لم يولد فيها ولم يكن لأحد من أسلافه القدامى فيها جذور جاء يبحث عنها.
إنه اليوم الذي يشيع الرعب فينا، نحن أبناء اليوم، وذلك لمجرد تصورنا أنه يمكن أن يأتي ليحتل صفحة من صفحات تاريخ البشرية على كوكبنا هذا الذي ندعوه أرضاً. أم تراه رعباً متوهّماً بسبب ما نراه حولنا أو نسمع به؟ أجل، يتمنى المرء ألا يأتي يوم ويتساءل أحدهم أين كنا وأين أصبحنا؟ أين كنا في سياق صنع الحضارة الممتدة من آلاف السنين إلى يومنا هذا، وأين أصبحنا مما كنا عليه؟
إن سؤالاً كهذا يعيدنا إلى ما نعانيه، قبل زوال البشرية من الوجود، يعيدنا إلى الوضع الراهن، وخصوصاً في سورية التي هي جزء من الكتلة البشرية، بنتيجة قطع البعض من هذه الكتلة المسافات الشاسعة وتخطي الجبال الشاهقة والسهول المتناهية الأطراف وصولاً إلى منطقتنا، وفي أيديهم أدوات القتل والنهب والاغتصاب، بديلاً من القناديل التي حملها أهل المنطقة في الماضي، وبددت الظلمات في أرجاء عديدة من العالم، وصولاً إلى بلاد ما وراء الجبال والسهول والبحار.
الذي يرى في منطقتنا، وخصوصاً سورية التي عانت تبعات العدوان الأممي عليها خلال السنوات السبع الماضية، لا يمكن أن يحتسب خطوة هدفها نشر الديمقراطية والسلام وما شابه ذلك من ادعاءات لأن أيدي القادمين إليها ملوثة بالدم وأرضنا تشهد على إجرامهم مهما حاول المعتدي أن يبرر سبب قدومه إليها تحت عناوين قد يصدقها، عن بعد، المتفرج على ما يجري فيها تحت شعارات زائفة الغرض منها سلب عقل المواطن هنا تحديداً في البلد الذي طالما خبر نيات المستعمر قديماً وحديثاً على حد سواء.
بأمل ألا يأتي اليوم الذي أشرت إليه في بداية هذه الأسطر، أردد قول الفيلسوف والروائي الفرنسي أندريه مالرو (1901- 1976): إننا نجد دوماً الرعب في الذات تجاه ما قد يحدث ذات يوم في المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن