ثقافة وفن

أحاول دعم الأطفال من خلال مبادرة «رسمة وبسمة» … مي أبو جيب لـ«الوطن»: لديّ التزام أخلاقي ووطني تجاه الطفل السوري الخارج من الأزمة

| سوسن صيداوي

في شخصها وطباعها وحتى في عذوبة صوتها الكثير من الصفات الطفولية، ورغم أنها فنانة تشكيلية وكاتبة وعازفة ولكنها لا تفضّل أن تتحدث عن نفسها- أمر لا تجيده- بل تفضّل أن تكون أعمالها هي من تُخبر عن اسمها، إنها الفنانة التشكيلية مي أبو جيب، عانق الطفل روحها ليكون موضوعا مهما تنطلق منه نحو الجمال والإبداع، مستفيدة من الخبرات الأجنبية لتنشر وعيا وثقافة جديدة وهي أن الفن يجب أن يرعى الجمال ويهذّب النفس من كل قبح نفسي وفكري وحتى عاطفي تعززه ظروف المجتمع القاسية. من البدايات- ومنذ زمن طويل مضى- في مشوارها الإبداعي قدّمت العديد من المعارض الفردية واليوم تتابع دراستها-هي مجازة في الأدب الفرنسي من جامعة دمشق-في مجال العلاج بالفن وتحضّر لماجستير في علم الجمال. تجدر الإشارة إلى أنها في عام 2008 أصدرت كتاب «حلمي الصغير» وهو عبارة عن قصائد للأطفال، بخمس لغات وفيه رسومات، والقصيدة التي باللغة العربية قام بتلحينها الياس الرحباني، وذهب جزء من مبيع الكتاب لجمعية «بسمة» لدعم الأطفال المصابين بالسرطان، إضافة إلى الكثير من الإصدارات الأخرى المخصصة للأطفال. أما اليوم فهي تقف متابعة في رسالتها من خلال مبادرة «رسمة وبسمة» مع أختها الفنانة التشكيلية ماسة أبو جيب، وهذه المبادرة منبثقة عن مبادرتها الأولى العلاج بالفن التي من خلالها قدمت المساعدة للعديد من الأطفال واليافعين والمرضى والمتضررين من الحرب. أما اليوم فتتضامن مع الزمن وتحضّر لمشروع كتاب مخصص للأطفال أيضاً وموضوعه قصص ما قبل النوم وسيكون بثلاث لغات. عن أهمية اللون وأهمية الكلمة وأهمية نشر الوعي من خلالهما، تحدثنا الفنانة التشكيلية مي أبو جيب في حوارنا معها.
بداية حدثينا عن علاقتك بالرسم والألوان ومتى بدأت هذه العلاقة وكيف تطورت؟
أول ما نفتح أعيننا، نرى ألوان الطبيعة والأشكال المحيطة بنا، هذا ويمكننا القول إن لكل لون مقاماً في النفس مثل المقامات الموسيقية إضافة إلى الكلمات التي هي مقامات الروح. بدأت علاقتي مع الألوان منذ الصغر، وكان يستهويني الرسم بالألوان المائية لأنها تتناسب مع طبيعتي الحساسة والشفافة، وأهلي كانوا وما زالوا من أوائل المشجعين لي، ومنهم ترسخت ثقافتي وإدراكي لحقيقة أن الفن ليس ذوقاً وجمالاً فحسب، وإنما رسالة إنسانية لها عالميتها التي نتفاهم من خلالها مع الجميع ولو كانوا مختلفين عنا. الأعمال التي أعمل بها تشبه روحي والأمر معكوس على الألوان التي استعملها وفي طريقة استخدامها، فمثلاً عندما كنت أعمل بالألوان الزيتية، لم أكن أسمّك الألوان كي تظهر للمتلقي شفافة ومريحة وتعكس- بحسب رأيهم طبعاً- نوعاً من الراحة لهم، هذا وأيضاً أنا أستخدم بشكل كبير اللون الأزرق الذي هو رمز للسلام، صحيح أنه لون صعب- بشهادة الكثير من الفنانين- والأغلب يبتعد عن التعامل معه، كما أنه معروف عنه أنه من الألوان الباردة، ولكنني أعمل عليه وأقدمه بطريقة دافئة بين الألوان الأخرى في العمل، وهنا أحب أن أضيف إنني أفضل العمل على الأحجام الصغيرة عن الكبيرة على الرغم مما تتطلبه من التركيز والدقة.

ماذا عن تفاعل اللون مع الكلمة وتأثيره البصري والنفسي على المتلقي وخصوصاً الطفل؟
في الحقيقة لكل كلمة تأثيرها المختلف في النفس، ويأتي تفاعل الرسم مع الكلمة ليعطي المتلقي نوعا من التكامل. حاليا سأقدم للطفل عبر الكلمة واللون دليلا لفهم معنى السلام والمواطنة الصالحة بتعلم لغة الحوار بشكل فني يلفت الانتباه.

للطفل حيز مهم في إنتاجك الإبداعي.. اليوم إلى أي مدى أنت معنيّة بالطفل السوري الخارج من الأزمة.. سواء من حيث الرسم أم التأليف؟
للطفل بصورة عامة مكانة خاصة في قلبي، وقد قال غاندي ذات يوم لا نستطيع إرساء قواعد السلام ومحاربة الحرب إلا من خلال الطفل، فهو الأمل وهو المستقبل. أما الطفل السوري الخارج من الأزمة، فلديّ تجاهه التزام أخلاقي ووطني لذلك أحاول دعم الأطفال من خلال مبادرة»رسمة وبسمة»مع أختي الفنانة التشكيلية ماسة أبو جيب، وهذه المباردرة منبثقة عن مبادرتنا الأولى العلاج بالفن وعملنا من خلالها مع العديد من الأطفال واليافعين والمرضى والمتضررين من الحرب. بصراحة ما يهمني فيما أصدره من أعمال أنني أعمل على استعادة براءة الطفل التي فقدها بسبب الظروف الجائرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ما يتابعه من المسلسلات والبرامج الكرتونية التي فيها كمية كبيرة من العنف والقباحة، وكأن هناك توجهاً لعلم القباحة إن صح التعبير. كما أحب أن أوجه في أعمالي رسائل إنسانية وأبعث مشاعر الأمل والشعور بالفرح بشكل غير مباشر من خلال رسومات فيها مزج ألوان مريحة وجذابة. كما يعنيني كثيرا وأركّز على الأمور الإيجابية كي نستطيع مساعدة الطفل لبناء تطلعاته الخاصة المفعمة بالأمل، فبشكل مختصر أنا أضع نفسي في مكان الطفل، وبصراحة هو أمر من السهل الممتنع، أحاول أن أفكر بطريقته واستهوي ما هو يستهويه.

في العام الماضي كنت ضمن ورشة صناعة دمى الأطفال، ماذا قدمت لك هذه التجربة، وبرأيك إلى ماذا يحتاج مسرح الدمى كي يكون فاعلا أكثر(سواء من حيث الدمى أو النص)؟
لدمى العرائس مكانة كبيرة في قلبي، فعندما كنا صغارا كانت والدتي دائما تأخذنا إلى مسرح العرائس، حتى إنها كانت تستغل أبسط الأمور الموجودة في المنزل لتخلق دمية قماشية تحاورنا وتخبرنا القصص من خلالها أثناء اللعب. إذاً انطلاقاً من تجربتنا الشخصية أولاً وبعدها مما تابعته، أشير إلى أن الدمى وسيلة فعالة في معالجة الكثير من المشكلات النفسية عند الأطفال، وأهمها موضوع الخجل، فمن خلال الدمية التي يلعب بها أو يسمع القصة التي تحدثه عنها، ينطلق ويتجرأ ويبدأ بالبوح والتعبير بداية ثم إلى تصرفات أخرى. وأضيف هنا إن العلاج بالدمى يندرج تحت إطار العلاج بالفن، ومثله مثل العلاج بالكتابة وبالرسم والألوان، وكلّها فاعلة ومؤثرة جداً إن تم توظيفها بالشكل الصحيح في شخصية الطفل. وأختم في السؤال بالنقطة التالية وهي بأن مسرح الدمى يحتاج كي يكون فاعلا أكثر من سواه إلى النص الناضج، فالدمى ليست أدوات تسلية فحسب بل هي بمنزلة المرشد أو المربي للطفل بطريقة غير مباشرة.

أشرت أعلاه إلى أن ما يخصص للطفل هو من السهل الممتنع… ونضيف إنه يتطلب جهدا ووقتا ومسؤولية ألهذا استغرق منك كتابك الصادر عام 2008 «حلمي الصغير» ثلاث سنوات؟
لا ينبغي الاستهانة بعقل الطفل، فالأطفال أكثر ذكاء ونضجا مما نعتقد، لذلك يجب أن تكون الأعمال المقدمة لهم ذكية وناضجة كي ترقى إلى مستوى تفكيرهم وتتماشى مع متطلباتهم. وبالنسبة للشق الثاني من السؤال.. الأمر ليس معقدا بل هي مسألة التزام أدبي واحترام للطفولة، والتركيز على براءتها عبر جعل الطفل يشارك في العمل ويتفاعل معه، فالتفاعل أهم من مجرد الانفعال، كما أنّ لغة التحاور معه وتحفيز خياله أفضل من أسلوب التلقين.

الانترنت والتكنولوجيا من العوامل التي أبعدت الطفل عن بساطة التعبير سواء بالتأليف أو بالرسم واللون.. برأيك ماذا علينا أن نفعل لنجنب أطفالنا هذا الانجراف؟
يجب أن نلفت نظرهم إلى الكتاب الذي يشدهم بذكاء العبارة وجمال الرسوم، فهذا الجيل لا يمكن الاستهانة بقدراته. صحيح أن الانترنت باتت ضرورة أساسية في حياتنا، ولكن يجب ألا تطغى على الإحساس والابداع، وللأهل دور مهم في محاولة تنظيم أوقات أطفالهم في استخدام التكنولوجيا.

برأيك قصة قبل النوم إلى أي مدى تكمن أهميتها في تفعيل الدور التربوي وتنمية الخيال عند الأطفال؟
قبل أن يغفو الطفل ليلا، يجب أن نقرأ له قصة تجعله يتخلص من همومه اليومية، وأن يسرح بخياله ليشعر بالأمن والأمان كي يستقبل اليوم التالي بهمة ونشاط وتفاؤل، كما أنها تغني للطفل مخزونه اللغوي إضافة إلى المخزون الخيالي، حتى إنها قادرة على تنمية مداركه ومساعدته على الحلم وحتى التخطيط ووضع أهداف تبدأ من تكوين شخصيته وماذا سيصبح في المستقبل، والقصة من الأمور التي يعتمد عليها الغرب اليوم بالعلاج مثلها مثل التلوين والرسم وكذلك العلاج بالدمى.

في الختام حدثينا عن مشاريعك الحالية؟
في الوقت الحالي نتابع بمبادرة «رسمة وبسمة» في محاولة لتقديم المساعدة قدر المستطاع كما أسلفت للعديد من الأطفال واليافعين والمرضى والمتضررين من الحرب. كما أقوم بالتحضير لمشروع كتاب مخصص للأطفال، موضوعه قصص ما قبل النوم وسيكون بثلاث لغات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن