قضايا وآراء

مسار «هلسنكي»

| سامر علي ضاحي

لا يبدو أن قمة هلسنكي حققت اختراقة نوعية في الأزمة السورية عسكرياً، فالإدارة الأميركية اليوم برئاسة دونالد ترامب لم تحد كثيراً عن استراتيجية سابقتها التي تولاها باراك أوباما في التواصل مع الروس عسكرياً في سورية ومحاولة عدم الغرق في المستنقع السوري مع ترك هامش كبير للحركة أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أن ينال العم سام من الكعكة السورية حصة وفيرة، وهذه السياسة ليست بجديدة على واشنطن إذ سبق ومارستها في بلدين عربيين هما ليبيا واليمن، فهي تريد الحصول على المكتسبات بأكبر قدر ممكن مع تقليل حجم الخسائر إلى أبعد درجة، من دون أن يمس ذلك جوهر الاستراتيجية الأميركية.
ومع انعقاد القمة كان الجيش العربي السوري يراكم انتصاراته ومصالحاته في جنوب غرب البلاد بما يمهد لتطبيع الأوضاع قرب أراضي الجولان المحتل من قبل الكيان الصهيوني، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه خلال نفاذ اتفاق فصل القوات لعام 1974، ومن دون مشاركة لمستشارين عسكريين إيرانيين، ما يعني أنه لا تبدل في خريطة النفوذ الإقليمية في حال بسط الجيش العربي السوري سيطرته على كامل محافظة درعا والقسم غير المحتل من القنيطرة، وهذا التقدم سبقته محادثات أميركية روسية في جنيف أعقبها رسالة أميركية لتنظيمات الجنوب بأن «اذهبوا وقاتلوا الجيش السوري وحدكم».
أما عملية الجيش المرتقبة في إدلب فالأرجح أن واشنطن لا مشكلة لديها في هذه العملية ولا سيما أنها تسهم بضبط جبهة النصرة الإرهابية وتنظيم «حراس الدين» فرع القاعدة الجديد في سورية، وتشيح أنظار تركيا قليلاً عن شمال شرق سورية، ما قد يعجل فيها، كما أن الترحيب الكردي في الشمال بحوار مع دمشق لا يمكن أن يصدر دون مباركة أميركية لتواجد الاحتلال الأميركي في مناطق سيطرة «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، هذا إن لم يكن الأكراد بالفعل قناة اتصال خلفية بين دمشق وواشنطن توازي القناة الروسية.
من هنا جاءت إشادة ترامب وبوتين بتعاون عسكرييهما في سورية، لذلك فإن الانتقال إلى المجال السياسي لعله كان أبرز محاور القمة سورياً.
ومع النجاحات التي حققها مسار «أستانا» على الصعيد الميداني، لا يمكن للإدارة الأميركية الإقرار أو المشاركة بفعالية في هذا المسار على اعتبار أن إيران، العدو الأبرز للولايات المتحدة الأميركية اليوم، راع للمحادثات وهي راع لمحادثات أخرى هي مسار «سوتشي» لحل الأزمة، وترامب وأسلافه يتهمونها بالإرهاب.
بالمقابل تبقى الشرعية الدولية مرتبطة أكثر بمسار جنيف وهو ما تحاول واشنطن باستمرار جر أي محادثات إليه لتصب هناك، لكن قد تكون «هلسنكي» أسست لمسار جديد يمكن أن يتسمى باسم العاصمة الفنلندية، وإن كان هذا المسار لا يعدو كونه إطاراً تطويرياً لمسار «أستانا» بحيث يراعي شروط واشنطن لحل الأزمة السورية من جهة، والنفوذ الإيراني المتصاعد في سورية خلال الحرب من جهة أخرى.
ومع وجود قضايا اتفاقية لاسيما الملف الكردي بين بوتين وترامب، فمن المرجح أن نشهد توسيعاً لمسار أستانا بمسمى جديد أو تقليصاً لمسار جنيف على أن يزيد الاعتراف الغربي بدور الترويكا الثلاثية الراعية لمسار أستانا فيه.
وهنا يبقى الخطر الأكبر على التركي، فهو يخشى الخروج من مولد الأزمة السورية بلا حمص، فزعيم العثمانيين الجدد رجب طيب أردوغان يعلم تماماً أن خسارة الملف السوري من يده هي خسارة إقليمية لن يمكنه تعويضها في المستقبل القريب ولاسيما مع تراجع شعبيته عربياً، ويدرك أردوغان تماماً أن أي تقارب روسي أميركي حول سورية معناه ابتعاد أكبر لدور إيران وتركيا لذلك قد يسارع إلى تقديم تنازلات إلى روسيا في إطار أستانا والمحادثات التي تجري حالياً بخصوص عملية إدلب، أو قد يسارع إلى توطيد اتفاقاته مع الأميركيين بخصوص أكراد الشمال ولاسيما في منبج وعفرين وريف الحسكة حماية لها من الذوبان.
اختراقة أخرى قد تكون حصلت في ملف اللاجئين، فيبدو أن الزعيمين أرادا أخيراً حمل أوروبا وإنقاذها من أزمة اللجوء عبر تسهيل عودة السوريين إلى بلادهم وهو ما يتطلب دعماً كبيراً لدمشق في مرحلة إعادة الإعمار، وبالتالي يفتح المجال السوري أمام تدفق الشركات الروسية وأموال المساعدات الأوروبية والاستثمارات الأجنبية وتسريع تطبيع العلاقات السورية الغربية، مع الحفاظ على بعض الاستثمارات الأميركية الغربية في شمال شرق البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن