الانتخابات النيابية العراقية والتشكيك
| أحمد ضيف الله
أنهت المحكمة الدستورية العليا في العراق وفق قرارها الصادر في الـ21 من حزيران الماضي، حالة النزاعات والصدامات والاتهامات بين القوى السياسية بالتلاعب وتزوير نتائج العملية الانتخابية النيابية التي جرت في الـ12 من أيار المنصرم، وما تلا ذلك من جدل وانقسام أيضاً بشأـن دستورية القرار الذي اتخذه المجلس النيابي قُبيل انتهاء ولايته في جلسته الاستثنائية المنعقدة في الـ30 من أيار الماضي، حيث أقرت المحكمة صحة قرار المجلس النيابي بإعادة إجراء العد والفرز يدوياً لنتائج الانتخابات، مع تأكيدها «عدم المساس بأصوات المقترعين التي تحصلت بشكل سليم ولم ترد بها شكاوى»، رافضة إلغاء نتائج انتخابات الخارج والخاص والمشروط، أي إنها قررت إجراء العد والفرز يدوياً لأوراق الاقتراع في المحطات والصناديق التي وردت شكاوى وطعون بشأنها.
ويُعد القرار الذي اتخذته المحكمة الدستورية العليا متوازناً، لكونه أرضى جميع الأطراف، وهو ما يفسّر صدور مواقف شبه راضية من معظم القوى الفائزة تعليقاً عليه.
إلا أن بعض الأطراف الخاسرة من النواب السابقين من مختلف الأطياف العراقية، وعلى رأسهم سليم الجبوري رئيس المجلس النيابي، ظلوا يراهنون على إمكانية إلغاء نتائج الانتخابات وإعادتها، أو الحصول على وعد من الأمم المتحدة بإعادة عمليات العد والفرز اليدوي لجميع الصناديق، على الرغم من تسليم الجميع بتفسير المحكمة الاتحادية لمسألة العد والفرز الجزئي، كما فشلت كل محاولات رئيس المجلس النيابي سليم الجبوري وبعض النواب، جلهم من الخاسرين في الانتخابات الأخيرة، في تمديد ولاية المجلس النيابي التي انتهت في الـ30 من حزيران الماضي، لحين انتهاء أعمال العد والفرز يدوياً.
وعلى الرغم من أن ذلك أدخل العراق في فراغ تشريعي، إلا أن الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي تواصل عملها كحكومة كاملة الصلاحيات، لحين تسمية الرئيس الجديد للحكومة وتأليف حكومته، وهي قادرة على اتخاذ جميع القرارات، باستثناء تلك التي تحتاج إلى تشريع نيابي.
وكان مجلس القضاء الأعلى قد وضع اليد قبلاً على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في الـ7 من حزيران الماضي، مُشكلاً لجنة قضائية من تسعة قضاة، مهمتها «القيام بأعمال مجلس المفوضين والإشراف على عملية إعادة العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات وتسمية القضاة الذين سوف يتولون مهمة إدارة مكاتب مفوضية الانتخابات في المحافظات».
وما إن أعلن القاضي ليث جبر حمزة الناطق الرسمي باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بيان له في الـ3 من تموز الجاري، أن «عمليات العد والفرز بدأت هذا اليوم في مركز العد والفرز في محافظة كركوك وبشكل تراتبي للمحطات الانتخابية الواردة بشأنها شكاوى وطعون وفق السياقات القانونية التي رسمتها القوانين والأنظمة النافذة الخاصة بالانتخابات، إضافة إلى الإجراءات التي وردت في قرار المحكمة الاتحادية العليا»، حتى تضاربت فيما بعد تصريحات القوى المشاركة في الانتخابات النيابية في كركوك من كردية وعربية وتركمانية، بشأن النتائج الأولية لعمليات إعادة العد والفرز اليدوي التي بدأت في كركوك، إذ أعلن كل طرف أن النتائج كانت لمصلحته في هذه المحطة أو تلك، ما يمكن اعتباره تمهيداً لطعون جديدة في الانتخابات بعد ظهور النتائج الجديدة.
إلا أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قالت في بيان صحفي لها في الـ6 من الشهر الجاري: إن الأحزاب في كركوك «تتسابق لإعلان نتائج العد والفرز يدوياً»، مشيرة إلى أن بعض الأحزاب أعلنت عن «وجود اختلاف بين العد اليدوي والعد الإلكتروني، والآخر يقول إنه حصل على المرتبة الأولى، وهذا كله غير صحيح»، مؤكدة أنها ستعلن النتائج النهائية «بعد اكتمالها».
ومما يمكن توقعه أن الاختلاف في كركوك، ربما يقتصر على خسارة الاتحاد الوطني الكردستاني مقعداً واحداً لمصلحة الجبهة التركمانية.
وما إن انتهت عمليات إعادة العد والفرز يدوياً في محافظة كركوك، حتى بدأت عملية «نقل صناديق الاقتراع لمحافظات (البصرة، ميسان، ذي قار، المثنى، القادسية، واسط)، إلى معرض بغداد الدولي لإجراء عمليات العد والفرز اليدوي عليها من المراكــز والمحطات الانتخابية التي وردت بشأنها شكاوى وطعون»، بأشراف مباشر من «مجلس المفوضين وممثلي الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين وممثلي سفارات دول العالم وممثلي الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام كافة»، بحسب بيان المتحدث باسم المفوضية المستقلة العليا للانتخابات في الـ7 من تموز الجاري، ثم أعقب ذلك العمل في صناديق محافظة السليمانية، التي قاطعها ممثلو الأحزاب الكردية الستة (حركة التغيير، الجماعة الإسلامية، الاتحاد الإسلامي، الحزب الشيوعي الكردستاني، تحالف من أجل الديمقراطية والعدالة، الحركة الإسلامية)، وقالوا في مؤتمر صحفي عقدوه أمام القاعة المخصصة للعد والفرز اليدوي بالمحافظة في الـ9 من تموز الجاري: إن «قرار مقاطعة العملية جاء على خلفية رفض الفريق المكلف بإجراء العد والفرز، اقتراب ممثلي الكيانات السياسية من الموظفين المكلفين بإجراء العد والفرز اليدوي»، مشيرين إلى أن الأطراف الستة «تشكك في نزاهة العملية وستطعن بها لدى الجهات القضائية المختصة، وهي لن تعترف بالنتائج التي ستخرج بها».
إلا أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قالت في بيان لها في الـ11 من تموز الحالي: إن «عمليات العدّ والفرز اليدوي للأصوات التي جرت في إقليم كردستان كانت حيادية بالكامل»، مشيرة إلى أنها «باشرت عملها هناك بإشراف مباشر من الأمم المتحدة»، مؤكدة أن «القضاة لمسوا اطمئناناً كاملاً من ممثلي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني»، وأن «ممثلي الأحزاب كانوا داعمين لعمل القضاة بشكل كبير جداً في إنجاز العملية، حيث لم يتدخل أي منهم في الفرز والعدّ، بل كانوا حريصين على أن تجري العملية بأمانة وحيادية وإخلاص تام».
ومع متابعة واستكمال عمليات العد والفرز اليدوي لباقي المحافظات الشمالية والغربية، فإن النتائج الجديدة للعملية الانتخابية، ربما تستغرق أسابيع عدة حتى تظهر بشكل أولي، تليها بطبيعة الحال طعون على إجراءات العد والفرز الجديدة، ومن ثم التصديق نهائياً على أسماء الفائزين، ما يعني تأخر الإعلان النهائي لنتائج الانتخابات النيابية، ربما لغاية شهر أيلول المقبل.
ومع تسريب نتائج بعض المناطق التي وردت طعون وشكوك في فرز نتائجها، حيث جاء بعضها مطابق 100 بالمئة للنتائج المعلنة سابقاً، فإن الهجمة الإعلامية والسياسية بشأن عمليات التزوير مبالغ فيها، حيث إن مجمل حالات التزوير أو الخروقات التي وقعت، وفق ما تم تسريبه حتى الآن، ليس من النوع الذي يتطلب كل هذه الإجراءات.
إن التغيير المتوقع في نتائج الانتخابات النيابية وفق قرار المحكمة الدستورية العليا الأخير، سيكون في المناطق ذات الأغلبية السنيّة والكردية ومحافظة كركوك، ما قد يغير تسلسل بعض القوى الفائزة، إلا أنه لن يُحدث تغييراً جوهرياً في الخريطة السياسية الحالية للنتائج النيابية التي سبق إعلانها.
لقد أنهت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة فكرة تشكيل حكومة الأغلبية السياسية، وخاصة مع مساعي كل الكتل النيابية بالمحافظة على مصالحها تحت مسميات الديمقراطية التوافقية، والوحدة الوطنية والشراكة الوطنية، بهدف الحصول على حصة من كعكة الحكومة، ما يعني أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة ائتلافية بمشاركة كل القوائم والكتل الفائزة في الانتخابات، ما يُعيد مشهد المحاصصة مرة أخرى. فيما لا تزال حظوظ رئيس الوزراء حيدر العبادي في تكليفه برئاسة الحكومة لدورة ثانية كبيرة، وخاصة مع تزايد الاهتمام الدولي بالوضع العراقي، وحالة الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة.
إن ما يجري تداوله باشتراط مقتدى الصدر على رئيس الوزراء حيدر العبادي الاستقالة من حزب الدعوة مقابل دعمه في البقاء رئيساً للوزراء، لا يبدو واقعياً، لأن حيدر العبادي يعتبر أن وجوده في حزب الدعوة ورقة مهمة بيده، وهو رأسماله السياسي ومصدر قوة له في الحراك السياسي، لا يمكن التخلي عنه، تحت أي شرط، وأن موافقته على الخروج من حزب الدعوة كمقابل لرئاسة الحكومة يجعله بلا سند قوي له، وأسير الكتل التي دعمته ورشحته لهذا المنصب.