ثقافة وفن

صدى تنشر «روح الفرح» بحفل موسيقي نوعي … رعد خلف لـ«الوطن»: اختياري لقصر العظم مؤشر مهم إلى عودة دمشق القديمة إلى حالتها الثقافية

| سوسن صيداوي

جرعة من الأمل. جرعة من التفاؤل. جرعة من الرضا نحو نظرة ثاقبة ومطالبة بالسلام النفسي والاجتماعي، وأخيراً الوطني. نعم الجرعة كانت جرعة من «روح الفرح» التي انتشرت بداية من قصر العظم من قلب دمشق القديمة، وأرسل عبر جمهور متابعاً أثره وصداه إلى أبعد ما يكون. فكرة حفل «روح الفرح» كانت منذ الشهر الثالث الماضي ولكن قدّر لها- رغم التأجيل المفروض-أن تصبح واقعاً وتُنجز عبر كوادر موسيقية وفنية احتضنتها جمعية «صدى» المؤسسة الثقافية الموسيقية الداعمة مادياً ومعنوياً لتطوير الثقافة الموسيقية الجادة عبر الاهتمام بكل الفرق والورشات من خلال تنظيم الحفلات. وتقدمت أوركسترا ماري بقيادة المايسترو رعد خلف في الحفل كعادتها بإضافات مدروسة وجديدة، بموسيقا نوعية مزجت بين القديم والحديث، فالمقطوعات قُدمت وفق أسلوب عالمي متفاوت بين الموسيقا الحية بمرافقة مادة موسيقية مسجلة، مع تأثيرات بصرية ولونية جميلة، استمتع بها الجمهور المهتم والمتنوع والذي فضل بعض منه الدخول والمشاهدة واقفاً بسبب نفاد الأماكن. وعن بهجة حفل «روح الفرح» ونقاط أخرى عن الحضور والتنظيم والتقنيات إليكم المزيد.

تعاون ثقافي

حفل« روح الفرح» في أمسيته التي امتدت لستين دقيقة، جاء بالتعاون بين وزارة الثقافة بكل مؤسساتها- التي قدمت كل التسهيلات لإنجاح هذا المشروع- وجمعية صدى. وممثلاً عن الوزارة حضر علي المبيض معاون الوزير.
وفي تصريحه لـ «الوطن» قال: «بتوجهات مباشرة من محمد الأحمد وزير الثقافة هناك ضرورة أن ترتقي الحركة الثقافية والفنية بالمستوى الذي يليق بالدور الحضاري المشرف لسورية، فقد أقامت جمعية صدى وبرعاية وزارة الثقافة هذا الحفل. الاحتفالية كانت رائعة وحضرها جمهور يزيد على ألفي شخص غصّ به المكان، وأحيتها أوركسترا ماري بقيادة المايسترو رعد خلف، كانت الأمسية من الأمسيات الحالمة التي ستبقى من الأمسيات المثيرة لفترة طويلة في ذاكرة دمشق، وزاد من أهمية الأمسية روعة قصر العظم الذي أقيم الحفل في جنباته، وتأتي هذه الاحتفالية ضمن برنامج حافل لوزارة الثقافة، فلا يكاد يمر يوم إلا ويتضمن سلسلة من الفعاليات والأنشطة وفي جميع المحافظات على حد سواء، ولابد أن أشير هنا إلى أن مهرجان وزارة الثقافة الذي سيقام في مدينة حماة الأسبوع القادم يأتي بالتزامن مع الظاهرة السينمائية التي ستعقبه لمدة شهر تقريباً، وأشير أيضاً إلى معرض الكتاب الذي ستقيمه الوزارة في مكتبة الأسد الأسبوع الذي يليه. إذاً هذه الأنشطة تدل على الدور الذي تقوم به الوزارة لنشر الثقافة على أوسع شرائح المجتمع».

فوضى فرح الإبداع

الجمهور كان منتظراً على أبواب قصر العظم، والوقوف على شباك التذاكر مع المطالبة بالبطاقات رغم نفادها حالة تُشعر بالغبطة للاهتمام بالثقافة من ناحية، ولتشجيع أوركسترا ماري وقائدها من الجمهور بالمتابعة من جهة أخرى، وعن هذه التفاصيل وأكثر حدثتنا تامار شاهينيان أمينة سر جمعية صدى قائلة: «على ما يبدو إن خليط المايسترو رعد خلف وجمعية صدى وقصر العظم أثار حالة إقبال كبيرة جداً، ورغم كل الجهود المبذولة والاستعانة بكوادر مختصة لتنظيم دخول الحضور، وبالرغم من اعتذارنا يوم الحفل وإعلاننا انتهاء البطاقات المطروحة، إلا أننا دُهشنا بالعدد الهائل من الناس الذي حضر وخلق حالة من الضغط- المحفز والمفرح بالوقت نفسه- الذي حاولنا جاهدين أن نستوعبه. الكثير من الجمهور حضر الحفل جالساً وأيضاً هناك الكثير ممن أراد الدخول وحضور الحفل حتى ولو كان واقفاً، وسعدت لبساطة وشغف من جلس قبالة الأوركسترا على أطراف البحرة، فالجمهور بكل الحالات كان سعيداً ومتفهماً لحالة الضغط الذي حصل. وتمكنت جمعية صدى من خلال هذا الحفل النوعي من إقامة حدث فني بهذا الحجم للموسيقا الجادة، والذي عنوانه «روح الفرح» وأن تترجمه على أرض الواقع بنشر الفرح، الفرح بعودة الأمان سورية وإلى دمشق وبعودة العيش السليم من الحضور حتى لو من مناطق بعيدة لمتابعة الحالة الثقافية في دمشق».

دمشق الفرح

حول الحفل وترتيباته وظروفه قال المايسترو رعد خلف في تصريح لـ(الوطن)بأنه بداية التقى بجمعية صدى وكان الاتفاق على إقامة حفل من نوع خاص اعتادت أوركسترا ماري أن تقدمه في احتفالية عيد المرأة في شهر آذار السابق، متابعاً: «لكن ولأنّ الظروف في الشهر الثالث كانت في أوجها لتحرير دمشق كي تصبح آمنة، فكان هناك صعوبة لإقامة الحفل وخاصة أن القذائف كانت تنهال على وسط البلد بشكل مريع. ولكن ربّ ضارة نافعة، فلقد تم تأجيل الحفل إلى أن حصلت احتفالية أخرى ضخمة في حلب، فانشغل الموسيقيون، ما اضطرّنا أيضاً لتأجيل الحفل إلى ما بعد امتحانات الجامعة، إلى هذا التاريخ». وعن خصوصية قصر العظم وسبب اختياره كمكان لإطلاق الحفل قال المايسترو رعد: «أنا اقترحت قصر العظم، وصحيح أن اختياري هذا وضعنا في ورطة حقيقية من ناحية إعادة المكان، وما يتطلبه الاحتفال من تحضير لوجستي ومادي ومعنوي…. إلخ، ولكن قررنا بأن نكون على هذا القدر من التحدي وأن نمضي به إلى النهاية، وأن نواجه كل ما يقف أمامنا من مشاكل. وبالعودة إلى أسباب اختياري لقصر العظم، لأن لهذا المكان دلالات كثيرة، وإقامة الحفل فيه مؤشر جدّ مهم على عودة دمشق القديمة إلى حالتها الثقافية من جديد من حيث احتضانها للأوركسترات والفرق والمهرجانات الثقافية الكبيرة، كما أن إقامة حفل في هذا الوقت بالتحديد يعني أن دمشق آمنة وقادرة على إقامة أي حفل في أي مكان فيها بتجمع جماهيري كبير». وحول برنامج الحفل يضيف: «الحفل روح الفرح كان حلماً بالنسبة لي، وجمعية صدى ساهمت بدعم وإنجاح الحفل بشكل كبير، وبأن يكون هناك وقع له بإعادة الحياة لدمشق القديمة ولقصر العظم والفرح لدمشق الآمنة. أما بالنسبة لبرنامج الحفل، ولأنه كان مخصصاً لعيد المرأة فكان من المفترض أن يكون احتفالياً، فانطلقنا بداية من العنوان التالي «Dance with me» أي «ارقص معي» وأن نختار مجموعة من الرقصات التي تحمل هذا الطابع من القديم إلى الحديث من الفالس والتانغويات إلى الهيب هوب والروك، ومنها تابعنا بالفكرة وأصبح عنوان الحفل «روح الفرح» أما بالنسبة للحالة التقنية التي عملنا بها وقدمنا بها الحفل، فهي الحالة التقنية الدارجة في أوروبا، بمعنى أن يكون لدينا أثناء العرض مادة مسجلة، إلى جانب أروكسترا تؤدي تكملة التسجيل، وليس ما نسميه الـ«play back». إذاً هذا النوع من العروض صعب جداً لأنه يتطلب الكثير من التدريبات والدقة، فمثلاً في مقطوعة «rock» لم يكن هناك غيتار كهربائي للعزف عليه مباشرة، بل كان مسجلاً ومن بعده تابعت الكمنجات في العزف المباشر. هذا النوع من التقديم يتطلب جهداً في التحضير ولكن والحمد لله استطعنا أن نقدم هذا النمط الجديد، ومن جهة ثانية أحب أن أشير إلى أنني في برنامج الحفل حاولت أن أوفق من حيث النوعية الموسيقية، بين الفكر الدمشقي الثقافي الذي يجذب الشاب ابن اليوم والذي يسمع كل ما هو متطور وعصري من موسيقا، وما يجذب كبار السن الذين تعودوا أن يتابعوا الثقافة القديمة ويسمعوا الكلاسيكيات، لهذا قررت بأن أقدم هذا البرنامج بهذا التنوع».
وعن أوركسترا ماري لفت المايسترو خلف إلى أن هدفه الأساسي فيها بأن تحافظ على ميزتها من حيث الشكل والمضمون- لأن أعضاءها من الشابات-في هذا الزمن العصيب في سورية، واستمرارها هو دلالة على رقي الفكر السوري الذي نملكه في مواجهته للتخلف الذي حاولت داعش والنصرة والمجموعات الإرهابية نشره «إذا نحن في أوركسترا ماري لنؤكد أن المجتمع السوري متطور على الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي والمادي والمعنوي، وأنا أشكر أوركسترا ماري لتمسكها بأرض سورية وبحلمها- من خلال أعضائها الشابات- بأن يبقوا ويعيشوا البلد كما كان، ويقدموا أجمل العروض، وبالطبع فرحوا كثيراً لملاقاة الجمهور الكبير لهم، وبحسب ما قوبلنا به من ترحيب وإطراء، لو أننا مددنا الحفل يوماً آخر لكان حضر عدد الجمهور نفسه التواق لفرح دمشق الآمنة. وفي ختام حديثي أشكر طبعاً كلاً من جمعية صدى لتعاونها الكبير لإنجاح الحفل، وأيضاً وزارة الثقافة بكل مؤسساتها، والمعهد العالي للموسيقا».

أسباب النجاح

من جانبه حدّثنا دكتور سعد القاسم عن أسباب نجاح الحفل الذي تقدّم بحرفيته ودقته، إضافة إلى تمازج الموسيقا بالتأثيرات البصرية إلى خلق انسجام أثّر في النفس وأوقع فيها الفرح، قائلاً: «نجحت أوركسترا ماري في إدخال روح الفرح إلى قلب كل من سمعت رأيه من حضور الحفل، وبالنسبة لي فإن هناك أكثر من سبب لهذا النجاح، أولها البرنامج المفرح والرشيق والمتناغم للحفل، وثانيها لكونها المرة الأولى التي يقام فيها حفل موسيقي في قصر العظم منذ بداية الحرب على سورية، وهذا بحد ذاته يدعو للفرح وانتعاش الأمل، وللمصادفة فإن آخر حفل موسيقي شهده قصر العظم قبل هذا التوقف القسري كان للمبدع رعد خلف قائد الفرقة ومؤسسها، وثالث الأسباب تلك المفاجأة السعيدة التي تمثلت بقيام رعد خلف بالمشاركة في إحدى الفقرات كعازف كمان منفرد، وهو ما اشتقنا إليه منذ سنوات طويلة تفرغ فيها لمشروعه الموسيقي وركن العزف جانباً، رغم أنه أحد أبرع عازفي الكمان في الوطن العربي برأي النقاد العارفين، وبرأي الجمهور الذواق.
أما بالنسبة للتأثيرات البصرية واللونية فهي إضافة جديدة جميلة وناجحة من سلسلة الإضافات التي تحرص الفرقة عليها في كل حفل جديد، والتي تعد بعضاً من أسباب نجاحها وتميزها وتجددها واتساع جمهورها، وهو ما كنا نلحظه في الحضور الكثيف لحفلاتها في دار الأوبرا، حيث تمتلئ المقاعد بكاملها على مدى يومي الحفل، وما لحظناه في الحفل الحضور الكثيف للجمهور.
أوركسترا ماري لا تتميز بأنها الفرقة النسائية الكلاسيكية الوحيدة في المنطقة فحسب، وإنما أيضاً لكونها الفرقة التي تعزف مؤلفات قائدها العبقري، وهي بالتالي تمتلك برامجها الموسيقية الخاصة التي تستجيب لطبيعتها وتوجهاتها، التي لا تتيح لأحد، غير مؤلف موسيقاها وقائدها، أن يتوقع أو يقترح برنامج حفلها».

من الحضور اللبناني

كان من بين الحضور التينور المغني الأوبرالي اللبناني غبريال عبد النور الذي عبر عن الفرح الذي يلمس قلبه كلما زار دمشق وخاصة دمشق القديمة، متابعاً: «لقد كنت سعيداً بالحضور الدمشقي الكبير الموجود في حفل «روح الفرح» الذي ذكرني بالحضور في أمسيتي منذ نحو عام ونصف العام والتي كانت بعنوان «سلام إلى حلب»، من حيث الجمهور الكبير، ويسعدني كون دمشق عادت إلى انتعاشها كما تعودنا عليها دائماً. هذا كما أنني كنت سعيداً بالرحلة التي ذهبت بها مع الأوركسترا بالزمان والمكان، وبمختلف الأجواء والأنماط مع سيدات أوركسترا ماري وبقيادة المايسترو المميز رعد خلف. هذه الليلة الاحتفالية أعطت صورة بهية وصورة راقية عن سورية وحضارتها، وأيضاً صورة حقيقية وبعيدة عن صور الحرب والمأساة والوجع بما فيها من ظروف سيئة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن