حرية باتجاه واحد
| حسن م. يوسف
من المفاهيم التي كان الغرب يرددها، على الطالعة والنازلة، خلال العقود الماضية، مفهوما: «التجارة الحرة» و«التدفق الحر للمعلومات».
تعلمون أن مفهوم التجارة الحرة وهو نقيض نظام الحماية الذي يهدف لمنع السلع الأجنبية من منافسة الصناعات المحلية، عن طريق فرض رسوم جمركية عليها أو تحديد الكميات المسموح باستيرادها منها. وقد شهدنا مؤخراً وفاة هذا المفهوم على يد ترامب عندما فرض جمارك بنسبة 25 بالمئة من قيمة السلع الصينية.
أما مفهوم «التدفق الحر للمعلومات». فقد ولد بعد الحرب العالمية الثانية عقب تأسيس منظمة اليونيسكو عام 1945 لكي تكون مركزاً دولياً لتبادل المعلومات، بغية بناء ثقافة سلام حقيقية.
في عام 1948 أكدت الأمم المتحدة في مؤتمرها أن «حرية الإعلام هي حجر الزاوية لكل الحريات الأخرى». وقامت اليونيسكو بعقد اتفاقيات لتعزيز «الحق المتساوي» لوسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومات وضمان تدفقها عبر الحدود الوطنية دون عوائق.
غير أن البلدان النامية اكتشفت في سبعينيات القرن الماضي أن ما يدعى بالتدفق الحر للمعلومات يتم في اتجاه واحد، من الشمال إلى الجنوب، وأن إمبراطوريات الأنباء الغربية، الأميركيتين يونايتد برس وأسوشيتد برس، والبريطانية رويترز، والفرنسية أي إف بي، تتحكم بـحوالي ثمانين بالمئة من كتلة الأخبار المتداولة عالمياً، وهي تفرض قيمها وسياساتها على تلك الأخبار، إذ تحجب ما لا يناسبها منها، وتصوغ الباقي بما يعزز هيمنتها ويخدم سياساتها، ما يشكل تهديداً ثقافياً وعقائدياً للدول النامية يعرقل تطورها ويقوض استقلالها. لذا تعالت المطالبات بإقامة نظام إعلامي عالمي جديد، وتمكنت الدول النامية بفضل قوتها العددية في الهيئة العامة، أن تمرر قراراً يلزم اليونيسكو بإقامة نظام إعلامي جديد يراعي التوازن بين الشمال والجنوب، فما كان من الولايات المتحدة وبريطانيا إلا أن كشفتا عن وجهيهما البشعين وانسحبتا من اليونيسكو!
خلال العقود الثلاثة الماضية حصل انزياح تدريجي في المشهد الإعلامي، ففي الوقت الذي كانت فيه الدول النامية تحتج على هيمنة الغرب على سوق الأخبار، كان اليهود يعززون هيمنتهم على سوق أكثر خطورة وأعمق تأثيراً هو سوق الميديا الجديدة التي تشمل كل ما هو مسموع ومقروء ومرئي بما في ذلك السينما والتلفزيون. ومع هيمنة ثقافة الصورة، أزيحت الصحف من قيادة المشهد وتحولت إلى فعالية جانبية تمتلكها الشركات الكبرى وتوظفها في خدمة سياساتها، ولن ندرك طبيعة التحول الخطر، إلا إذا علمنا أن عدد شركات الميديا الجديدة في أميركا كان في عام 2011 يزيد على 50 شركة، إلا أن هذه الشركات بدأت تأكل بعضها حيث لم يبق منها في عام 2012 سوى ست امبراطوريات تسيطر على 90% أو أكثر من صناعة الميديا:
-إمبراطورية «تايم وارنر» التي تملك مؤسسة تايم وشبكة تيرنر وسي إن إن ومجموعة وارنر برازر وغيرها.
– إمبراطورية «نيوز كوربوريشن» التي يملكها روبرت مردوخ، والتي تصدر أكثر من مئة وخمس وسبعين صحيفة في مختلف أنحاء العالم منها «نيويورك بوست»، و«وول ستريت جورنال» الأميركيتان، و«التايمز» و«الصندي تايمز» اللندنيتان.
– إمبراطوريتا «سي بي إس» و«فياكوم» التي تملك كل منهما عشرات القنوات التلفزيونية في أميركا وأوروبا وآسيا.
– إمبراطورية «ديزني» التي لا يقتصر نشاطها على إنتاج الأفلام بل تملك شبكة من الأقنية التلفزيونية في جميع أنحاء العالم إضافة لمدن ديزني وغيرها كثير.
– إمبراطورية كومكاست التي تملك يونيفرسال استوديوز وشبكة إن بي سي التلفزيونية.
وقد سمحت لنفسي بتعداد هذه الامبراطوريات كي ألفت عنايتكم إلى أن جميع أصحابها ورؤساء مجلس إدارتها من اليهود.
لقد كانت حرية الصحافة حلماً لي عندما بدأت العمل في مجالها، وها قد عشت لأرى ذلك الحلم ينزلق ويتحول إلى كابوس!