ثقافة وفن

اليوم الدولي لنيلسون مانديلا … كافح التمييز العنصري وروج لثقافة السلام وناهض السياسات الأميركية

| وائل العدس

احتفل العالم يوم الأربعاء الماضي باليوم الدولي لنيلسون مانديلا، وهو يوم عالمي أعلنت عنه اليونسكو في 10 تشرين الثاني 2009 للاحتفال به في 18 تموز من كل عام بمناسبة ولادة رئيس جنوب إفريقيا الأسبق، وتم الاحتفال به أول مرة في 18 تموز 2010، ووافق هذا اليوم عيد ميلاده الثاني والتسعين.
وأعربت اليونسكو عن تقديرها لما يتحلى به مانديلا من قيم ولتفانيه في خدمة البشرية، اهتماماً منه بالقضايا الإنسانية، في ميادين حل النزاعات والعلاقات العرقية وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها والمصالحة والمساواة بين الجنسين وحقوق الأطفال وسائر الفئات المستضعفة وتحسين أحوال الفقراء والمجتمعات المتخلفة النمو. واعترفت بإسهامه في الكفاح من أجل الديمقراطية على الصعيد الدولي وفي الترويج لثقافة السلام في شتى أرجاء العالم.
وفي هذا اليوم، يدعى كل مواطن في العالم لترسيخ رمزية سبع وستين دقيقة من وقته للعمل في خدمة المجتمع، لإحياء ذكرى السنوات السبع والستين التي رسخها مانديلا لمكافحة العنصرية والدفاع عن حقوق الإنسان.
ويتزامن هذا اليوم لعام 2018 مع حلول الذكرى المئوية لميلاد مانديلا، وتمثل هذه الذكرى مناسبة للتأمل في حياته وتراثه، وتحقيق رسالته في جعل العالم مكاناً أفضل.
وخصصت مؤسسة نيلسون مانديلا احتفالية هذا العالم للعمل في مجال مكافحة الفقر، بوصف ذلك تكريماً لقيادة مانديلا الذي بذل جهوده لمكافحة الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية للجميع.

حملة التحدي

يعد مانديلا أحد أبرز المناضلين والمقاومين لسياسة التمييز العنصري التي كانت متبعة في جنوب إفريقيا، وقد لقبه أفراد قبيلته باسم «ماديبا» وتعني العظيم المبجل، وهو لقب يطلقه أفراد عشيرة مانديلا على الشخص الأرفع قدراً بينهم.
ودائما ما اعتبر مانديلا أن المهاتما غاندي المصدر الأكبر لإلهامه في حياته وفلسفته حول نبذ العنف والمقاومة السلمية ومواجهة المصائب والصعاب بكرامة وكبرياء.
ولد مانديلا في قرية صغيرة تدعى «ميزو» في منطقة «ترانسكاي» وكان والده رئيس قبيلة، وقد توفي عندما كان نيلسون لا يزال صغيراً، إلا أنه انتخب مكان والده، وبدأ إعداده لتولي المنصب عندما كان صغيراً، إذ كان مانديلا أول عضو في عائلته يذهب إلى المدرسة، حيث أعطاه معلمه اسم «نيلسون».

بدأ الإعداد لنيل البكالوريوس من جامعة «فورت هار»، ولكنه فصل من الجامعة، مع رفيقه أوليفر تامبو، عام 1940 بتهمة الاشتراك في إضراب طلابي.
عاش مانديلا فترة دراسية مضطربة وتنقل بين العديد من الجامعات وتابع الدراسة بالمراسلة من مدينة جوهانسبرغ، وحصل على الإجازة ثم سجل لدراسة الحقوق في جامعة «ويتواتر ساند».
وفي تلك الفترة، كانت جنوب إفريقيا خاضعة لحكم يقوم على التمييز العنصري الشامل، فأحس مانديلا وهو يتابع دروسه الجامعية بمعاناة شعبه فانتمى إلى «المجلس الوطني الإفريقي» المعارض للتمييز العنصري عام 1944، وفي العام نفسه ساهم في إنشاء «اتحاد الشبيبة» التابع للحزب، وأشرف على إنجاز «خطة التحرك»، وهي برنامج عمل لاتحاد الشبيبة، وقد تبناها الحزب عام 1949.
في عام 1952، بدأ الحزب ما عرف بـ«حملة التحدي»، وكان مانديلا مشرفاً مباشراً على هذه الحملة، فجاب البلاد كلها ليحض الناس على مقاومة قوانين التمييز العنصري.
افتتح مانديلا مع رفيقه أوليفر تامبو أول مكتب محاماة للسود في جنوب إفريقيا، وخلال تلك السنة صار رئيس الحزب في منطقة الترانسفال، ونائب الرئيس العام في جنوب إفريقيا كلها.
أتاحت له ممارسة المحاماة فرصة الاطلاع مباشرة على المظالم التي كانت ترتكب ضد أبناء الشعب، وفي الوقت نفسه اطلع على فساد وانحياز الســلطات التنفيذية والقضائية.
كان مانديلا في البداية يدعو للمقاومة غير المسلحة ضد سياسات التمييز العنصري، لكن بعد مجزرة «شاربفيل» التي راح ضحيتها عدد كبير من السود عام 1960، وإقرار قوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء المجلس الإفريقي القومي فتح باب المقاومة المسلحة.

حظرت السلطات العنصرية جميع أنشطة حزب «المجلس الوطني الإفريقي»، واعتقل مانديلا حتى 1961، وبعد الإفراج عنه قاد المقاومة السرية التي كانت تدعو إلى ضرورة التوافق على ميثاق وطني جديد يعطي السود حقوقهم السياسية.
وفي العام نفسه أنشأ مانديلا وقاد ما عرف بالجناح العسكري للحزب.

في 1962 غادر مانديلا إلى الجزائر للتدريب العسكري ولترتيب دورات تدريبية لأفراد الجناح العسكري في الحزب. وعند عودته إلى جنوب إفريقيا في عام 1962 ألقي القبض عليه بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية، والتحريض على الإضرابات وأعمال العنف.

تولى الدفاع عن نفسه بنفسه، ولكن المحكمة أدانته بالتهم الموجهة إليه وحكمت عليه بالسجن مدة 5 سنوات، وفيما هو يمضي عقوبته بدأت محاكمة «ريفونيا» التي ورد اسمه فيها، حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القيام بأعمال التخريب.
خلال سنوات سجنه، أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزاً لرفض سياسة التمييز العنصري، وتحولت جزيرة «روبن» التي سجن فيها مانديلا إلى مركز للتعليم، وصار هو الرمز في سائر صفوف التربية السياسية التي انتشرت في طول البلاد وعرضها.

لم يغير مانديلا مواقفه وهو داخل السجن، بل ثبت عليها كلها، وكان مصدراً لتقوية عزائم سواه من المسجونين وتشديد هممهم.
وفي سبعينيات القرن العشرين، رفض عرضاً بالإفراج عنه إذا قبل بأن يعود إلى قبيلته وأن يخلد إلى الهدوء والسكينة، كما رفض عرضاً آخر بالإفراج عنه في عام 1985 مقابل إعلانه رفض العنف.
تم الإفراج عنه بعد أن أمضى 27 عاماً في السجن لتصديه لنظام الفصل العنصري، وذلك في 11 شباط 1990 ليعلن بعدها وقف الصراع المسلح ويبدأ سلسلة مفاوضات أدت إلى إقرار دستور جديد في البرلمان في نهاية 1993، معتمداً مبدأ حكم الأكثرية وسامحاً للسود بالتصويت.

منح مانديلا مع رئيس جنوب إفريقيا فريدريك ويليام ديكليرك جائزة نوبل، كما نال شهادات شرف جامعية عدة.

أجريت أولى الانتخابات الرئاسية في 27 نيسان 1994 وأدت إلى فوز مانديلا، وشغل منصب رئاسة المجلس الإفريقي وأصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.
وخلال فترة حكمه شهدت جنوب إفريقيا انتقالاً كبيراً من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية، وفي حزيران 2004 قرر نيلسون مانديلا ذو الـ85 عاماً التقاعد وترك الحياة العامة، ذلك أن صحته أصبحت لا تسمح بالتحرك والانتقال، كما أنه فضل أن يقضي ما تبقى من عمرة بين عائلته.

تزوج مانديلا ثلاث مرات، فكانت زوجته الأولى إيفلين نتوكو ميس (1944-1957) وقد أنجبا أربعة أطفال.
أما زواجه الثاني فكان مع ويني ماديكيزيلا (1958-1996) وأنجب منها طفلين، تزوج مرة ثالثة من غراسا ماشيل وبقي معها حتى وفاته في كانون الأول عام 2013 عن 95 عاماً.

في فلسطين

قبل عامين، وصل مجسّم مانديلا، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد احتجازه من الاحتلال لنحو شهر.
المجسم مصنوع من البرونز، ويبلغ ارتفاعه 6 أمتار، قامت بلدية جوهانسبرغ بتحمل جميع تكاليف تصنيعه ومصاريف شحنه من جنوب إفريقيا إلى فلسطين لارتباطه الوثيق بالقضية العادلة للشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني المحتل.

من أقواله

إذا كان هناك بلد ارتكب فظائع لا توصف في العالم، فهو الولايات المتحدة الأميركية.
الصدق، والإخلاص، البساطة والتواضع، والكرم، وغياب الغرور، والقدرة على خدمة الآخرين وهي صفات في متناول كل نفس هي الأسس الحقيقية لحياتنا الروحية.
التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم.
يجب علينا أن نستخدم الوقت بحكمة وأن ندرك دائماً أن الوقت قد حان لفعل ما هو حق.
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا لديها انتخابات فإنها لا تسأل عن مراقبين من إفريقيا أو من آسيا. ولكن عندما يكون لدينا انتخابات، فهم يريدون إرسال مراقبين.
عندما يبدأ الماء بالغليان فمن الحماقة إطفاء الحرارة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن