قمة ترامب بوتين في هلسنكي: تفاهمات الشركاء الأعداء
| د. قحطان السيوفي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التقى نظيره الأميركي دونالد ترامب، في قمة هلسنكي في فنلندا، وأهدى ترامب كرة قدم بعد نجاح روسيا في استضافة كأس العالم وقال بوتين لترامب: «الكرة الآن في ملعبك».
غبار قمة هلسنكي بدأ في الانقشاع، ليُجمع معظم الإعلام الغربي أن بوتين خرج منتصراً. وما زاد شعور الانتصار أن ترامب وجّه انتقادات للأجهزة الأمنية الأميركية… تميزت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بالخصومة على مر عقود، لكن اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، جعل هذه العلاقات تحت المجهر.
أعلن ترامب للصحفيين بعد لقائه بوتين أنَّ العلاقة بين موسكو وواشنطن «كانت في أسوأ حالاتها». وأضاف: «لقد تغير ذلك منذ نحو أربع ساعات مضت، أنا أؤمن حقاً بذلك».
تعكس تصرفات ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض عدم الرضا عن النظام العالمي الحالي. فهو لا يؤمن بقيم وقواعد هذا النظام وآلياته ومؤسساته، ويسعى لإضعاف الأمم المتحدة، وغير إيجابي مع الاتحاد الأوروبي، وينتقد أعضاء الناتو على نفقاتهم العسكرية. هذه المعطيات كانت حاضرة في ذهن بوتين عند لقائه ترامب، وربما استنتج أن المصالح الأميركية والروسية في ظل إدارة ترامب تكفي لتحقيق تعاون أوثق بين البلدين لإيجاد تسويات أو مخارج للأزمات الدولية، وخاصة أن ترامب دعا لإعادة روسيا إلى مجموعة الدول السبع وهنأه بفوزه في الانتخابات.
وكان بوتين وصف ترامب بأنه (شخص ذكي، وذو كفاءة)… تعود الخلافات إلى الحرب الباردة والعداء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي… وتدهورت العلاقات بين البلدين أكثر بعد استعادة روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 فأقرت واشنطن عقوبات اقتصادية على موسكو.
وصف بوتين سقوط الاتحاد السوفييتي بأنه أكبر (كارثة جيوسياسية في القرن العشرين)، ولا يخفي بوتين عزمه على استعادة قوة روسيا وعظمتها. ويعمل ترامب من أجل شعار أميركا أولا.
أجمعت تعليقات وافتتاحيات الصحف الغربية على خروج بوتين منتصراً من القمة، وفشل ترامب في فرض أي شروط على بوتين، بل أسدى هدية سخية لبوتين عندما حلله من مسؤولية التدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016.
صحيفة نيويورك تايمز ذكرت أن قمة هلسنكي كانت بمنزلة انتصار لبوتين وركزت الصحيفة على تصريح ترامب أن بوتين أصبح شخصاً مرحباً به في نادي قادة العالم.
صحيفة «التايمز» ذكرت (أن مصافحة ترامب وجهت موسكو من خلالها رسالة للعالم كله بأنه ليس من الممكن الدخول في مباحثات أو اتفاقات مهما كان نوعها من دون إشراك روسيا) وانشغلت الصحف الأميركية بالتساؤل عن السبب (الذي منع ترامب من الدفاع عن أميركا، ولماذا وضع نفسه تحت أقدام بوتين). اتهمت صحيفة «واشنطن بوست(ترامب بالتواطؤ، وأنه اصطف إلى جانب الكرملين… وكانت النتيجة سلسلة من التصريحات التي بدت وكأنها من كتابة موسكو)، أن معايير الربح والخسارة لا يمكن قياسها اعتماداً فقط على ما قيل في المؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين. والخلوة التي دامت ساعتين (ضعف موعدها المحدد). يمكن قياس الربح والخسارة بناء على ما قدّم كل طرف للآخر من تنازلات ووعود، وما حصلا على تنازلات مقابلة.
ناقش الرئيسان فكرة معاهدة جديدة، بديلة لمعاهدة «ستارت»، للحد من السلاح النووي، وناقشا الموضوع السوري والتعاون فيه. وفي المؤتمر الصحفي الختامي للرئيسين كان الموضوع السوري شديد الوضوح، فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، كشف ترامب أن نظيره الروسي يأخذ في الاعتبار أمن إسرائيل فيما يخص الوضع في سورية، وهو ما أكده بوتين نفسه عندما شدد على ضرورة إعادة تطبيق اتفاق الهدنة في الجولان، وجاءت انتصارات الجيش العربي السوري في الجنوب لتفرض الواقع.
لم يتحدث الرئيسان عن الانتقال السياسي في سورية، لكن ليس واضحاً هل هذا يعني بقاء الجنود الأميركيين هناك أو سحبهم في المستقبل «القريب»، كما وعد ترامب نفسه قبل شهور… مع الاتفاق على استمرار التعاون العسكري في سورية. في الاتفاق النووي الإيراني، تمسك بوتين ببقاء العمل بهذا الاتفاق، على الرغم من انسحاب ترامب منه وإعادة فرضه العقوبات على الإيرانيين. لكن كان لافتاً، في هذا المجال، اتفاق بوتين وترامب على التعاون لضمان استقرار سوق النفط والغاز في العالم. كان واضحاً أن من مجالات الاتفاق الأخرى بين الرئيسين التعاون الاستخباراتي والأمني، ضد تهديدات الجماعات الإرهابية، هذا التعاون لايمكن أن يكون شاملاً، بسبب انعدام الثقة بين أجهزة أمن البلدين. والمرجح أن يكون التعاون محصوراً بتبادل المعلومات.
حول أوكرانيا أكد الروس تمسكهم باتفاق مينسك لخفض التصعيد…. ومن بين نقاط الاتفاق الأكثر إثارة للحساسية بين ترامب وبوتين قضية التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية. وشكك ترامب في المؤتمر الصحفي في معلومات أجهزة أمن بلاده، بالمقابل لا يبدو بوضوح حجم التنازلات الكبيرة التي حصل عليها بوتين، إلا أنَّ وكالات الأنباء الروسية نقلت عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، أنَّ اجتماعهما كان «أفضل من ممتاز ورائعاً».
وقالت ألينا بولياكوفا من معهد بروكينغز: «تمكَّن بوتين من تقديم نفسه على أنه رجل دولة عالمي يسمو فوق توافه السياسة، ويقدم نفسه وروسيا كوسيط رئيسي للسلام والمساعدات الإنسانية».
وقال بوتين في كلمته الافتتاحية إن الجانبين اتفقا على تحسين العلاقات الاقتصادية، وإنشاء مجموعة عمل تجمع رجال أعمال للبلدين، وقال جيمس نيكسي، الباحث في معهد تشاتام هاوس، للأبحاث في لندن: (يبدو ترامب متملقاً بعقلانية، وأظهر عدم استعداده المطلق لانتقاد بوتين) من مؤشرات نجاح القمة أن الناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أعلنت أن ترامب طلب من مستشاره للأمن القومي جون بولتون أن( يدعو الرئيس بوتين إلى واشنطن في الخريف). أخيراً ثمة فرضية متداولة حول تقارب ترامب من روسيا، تقول إن بوتين وترامب لديهما مصالح عالمية مشتركة. والأخير يؤمن أننا نعيش في غابة، ويجب التقرب من القوى الكبرى المنافسة للولايات المتحدة، مثل روسيا والصين. المؤكد أن بوتين خرج منتصراً من قمة هلسنكي.