ثقافة وفن

الفن التجريدي يزهر في سورية … أحمد أبو زينة لـ «الوطن»: أقدّم ألواناً مفرحة تعبّر عن روح الشباب والأسلوب التجريدي أصبح أكثر فهماً

| سوسن صيداوي

وضوح، فرح، وفي النهاية صراحة. عناصر يلجأ إليها الفنان في رسم لوحاته التي لا تحمل مزجا، بل بكتلها اللونية المهمّشة الخطوط، يراها المتلقي صارخة وخالية من أي شوائب، وأيضاً غنية العناصر وتحوي أحرفاً وكلمات متناثرة في دعوة لتأمل اللوحة، والدخول إلى عالمها المشرق، كي يدرك المرء أن الحياة تستحق الوقوف عند لذة شعور الأمل الممزوج بالفرح. كل ما سبق هو من عمق فكر ودفق مشاعر الفنان التشكيلي أحمد أبو زينة، من خلال خمسة وثلاثين عملا، متفاوتة الأحجام ما بين (متر×متر، 200×240 سم) في أسلوب تجريدي متوازن بين الحار والبارد وحتى بين الرماديات، احتواها-في معرض-المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق، بحضور متنوع الاهتمامات، وعن الأعمال وغيرها نتوقف عند الكثير من النقاط.

مشروع بحثي تشكيلي

بداية حدثنا رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس عن معرض الفنان أحمد أبو زينة قائلاً: «اللوحات تدفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات والاستفسارات، من خلال المفردات: اللون وهو العنصر الصعب، الخط، الغرافيك، التكوين، كلّها تمنح العمل الفني خصوصية لتصبح عملاً فنياً حاملاً لمشروع تشكيلي بحثي، ناتج عن أحاسيس الفنان وعمارته وجماليته المتحركة من عمل إلى آخر. كما تدفعنا إلى التساؤل التالي: هل الفنان مقيد بأفكار تشكيلية وألوان ومفردات ثابتة؟ أم عليها أن تتحرك وتتنوع بتنوع تكويناتها وعمارتها لتعطي بشكل أكثر عمقا لمدلولها الفني المعيش بتعدد اللوحات؟. وأيضاً نتساءل: هل التكوين مرتبط بالمفردات نفسها دائماً، أم المعاناة والقلق يفرضان التمسك بكل ذلك وفي كل لحظة من عمل جديد؟. كلّها أسئلة وهناك غيرها الكثير تطرحها أعمال الفنان أحمد أبو زينة وهو ما يعطي لأعماله خصوصيتها الفنية، تحلق حرة بفضاء شاعري».
في تصريح لـ«الوطن» حدثنا الفنان التشكيلي أحمد أبو زينة عن تجربته الجديدة: «في هذه السنة المعرض مميز عما قدمته من الأعمال في السنوات السابقة، من حيث موضوع الكولاج. وحاولت أن أقدم مثل العادة الألوان الفرحة ولكن المتجهة أكثر نحو روح الشباب، ما يعني أن التجريد الذي أقدمه في هذه المرحلة أصبح أكثر فهما للمتلقي، وبالنسبة لتجربتي الحالية أنا أعتقد أنها وصلت إلى مرحلة من النضوج، وأنا بالذات راض عنها». أما من حيث الابتكار والتجديد في الأعمال فأشار الفنان قائلاً: «برأيي المدرسة التجريدية لو استمرت خمسمئة عام، فسينتج عنها دائماً ما هو جديد، فالتجريد عالمه واسع وكبير، وسيكون في الأعوام القادمة أسهل فهما على المتلقي، ومن ثم الفن التشكيلي التجريدي هو المدرسة الوحيدة المنتشرة بكثرة في ساحتنا الفنية التشكيلية السورية». وعن أحجام الأعمال المعروضة أضاف أبو زينة»بشكل عام عندما يعمل الرسام على اللوحة، عليه أن يكون مدركا قبل انتهائها للمكان الذي ستعرض فيه، وبالنسبة لي أنا معتاد على العمل عليه بشكل كبير، هو اللوحات التي أحجامها متفاوتة بين (متر×متر)، والتي يمكن عرضها في أي مكان، أما بالنسبة للأعمال الكبيرة فأحجامها متفاوتة بين (240-200سم)، هذه تحتاج إلى مكان خاص، وعلى الفنان أن يمتلك هذا التنوع في الأحجام». وبالنسبة لبناء اللوحة أشار متابعاً: «بالتجريد بالذات لا يمكن للفنان أن يضع خطة أو تصوراً للوحة التي يقوم برسمها، على حين هذا الأمر وارد بالمدرسة الانطباعية والواقعية والكلاسيكية، فأنا أبدأ باللوحة من الصفر، وتتطور اللوحة كي تقودني رويداً رويداً إلى مكان أشعر بأنني وصلت إلى النتيجة المطلوبة وأكتفي». وعن طريقة عرض اللوحات في المركز الوطني للفنون البصرية ختم حديثه «المركز الوطني للفنون البصرية مكان جميل وكبير وجدّ راق واللوحة خلال العرض تأخذ حقها فيه وأنا شديد الاعتزاز بسورية لتوافر مكان كهذا وبهذا المستوى».

نتاج تجربة متأخرة

من جانبه بداية تحدث الناقد التشكيلي سعد القاسم عن أسلوب الفنان المتبع وألوانه المختارة قائلاً: «أكثر ما يميّز المعرض هو ألوان الفرح المنثورة في اللوحات، وهي نتيجة لمداها لكونها مفتوحة على عالم واسع نحن لا نعرفه ولم نره، ومن خلال الأعمال يدعونا الفنان للذهاب إلى عالمه كي نراه ونحلم من خلاله. الكولاج هو أمر عادي جداً بالنسبة لفنان يعمل بالأسلوب التجريدي لكونه لا يحمل أي فكرة مباشرة، وحتى في اللوحة التجريدية هناك شروط يجب ألا تتجاوزها، من حيث موضوع التوازن داخل اللوحة بين الألوان الباردة والحارة وبين الرماديات، فهذه الأمور كلّها متوافرة في اللوحات». وعن تجربة الفنان التي جاءت بعد ممارسة طويلة في هندسة الديكور، وتجربته العميقة في التجريد الذي اختاره-نهاية- أسلوباً في فنه التشكيلي قال القاسم: «عموماً في هذا المعرض هناك أمر جد مهم في تجربة الفنان أحمد أبو زينة، لأنها بدأت متأخرة لأنه دخل عالم اللوحة بعد سنوات طويلة من تفرغه للديكور، الأمر الذي مكّنه من الدخول في عالم الفن التشكيلي من معرفة واسعة مطورا كل معارفه الفنية، من خلال اطلاعه على الحركة التشكيلية بزيارته ومتابعته للمعارض والملتقيات، الأمر الذي ساعده على إدراك توجهه في عالم التجريد، وأخيراً الأمر اللافت في تجربته بأنه يقدمها دائماً وهو مستمتع وفرِح».

من أمكنة الطفولة

على حين قال الناقد والفنان التشكيلي محمد العامري كلمته من خلال الكتيب الذي تم توزيعه في المركز الوطني للفنون البصرية، مشيراً إلى أن التكوين الذي اعتمده الفنان أحمد أبو زينة هو تكوين قوي وجاء من خبرته ومهارته في البناء الغرافيكي الديكوري وصولا إلى العمارة التي درسها، مضيفاً: «حين نشتبك بأعمال أبو زينة تأسرنا اللوحة بضوئها الوهاج وتأخذنا إلى مناخات حلمية حميمية. كما لو أنه يستعيد تلك الأمكنة التي فقدها بصورة مبهجة، أمكنة الطفولة التي تمكث في الذاكرة، تلك الذاكرة التي تلج على الفنان في الاحتكاك معها كمحفز حيوي لاستدراجه في العمل الفني كموضوع فني وعاطفي. وفي غالب الأمر نجده فناناً يبني عمله عبر الأسس العاطفية المشحونة بالتعبير القوي، كأنه يرسم لكل واحد منا، حيث يتحرك عمله الفني في تجفيف العناصر الواقعية من واقعيتها والذهاب بها إلى تاريخ جديد يحمل رائحتها ولا يلغيها، فهو يستعيض عن القرية بشجرة موشاة بالكلمات«الكولاج» ليبني منها مدينته الخاصة بلغة فنية عالية تتم عن خبرة عالية في البناء والتلوين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن