من دفتر الوطن

الغول!

| عصام داري

لا أدري لماذا لم ندخل إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية حتى اليوم، مع أننا نمتلك من «المواهب» ما يؤهلنا لتحقيق إنجازات تستحق التسجيل في مثل هذه الموسوعات، وفي مقدمتها السيد الغول!
نعم، الغول الذي سمعنا قصصه من الجدات يعيش حراً طليقاً في سورية، مع أننا نعرف أن الغول هو أحد المستحيلات الثلاثة: «الغول والعنقاء والخل الوفي»، فأما الخل الوفي فهو الصديق الصادق، وأما العنقاء فهو طائر أسطوري عملاق يخطف البشر ويطير بها إلى عشه حيث يلتهمهم، والغول هو وحش خرافي يشبه الإنسان في تكوينه الجسماني لكنه ضخم جداً ويغطي الشعر كامل جسده، وفوق هذا وذاك هو قبيح جداً.
قلت: إن الغول يعيش حراً طليقاً عندنا، والحمد لله، فقد ظهر على شكل أشخاص مهنتهم الرئيسية الفساد، ومهامهم الثانوية العمل في الكثير من المفاصل الحكومية التي تدر عليهم أرباحاً خيالية، تحولهم من أشباه فقراء، إلى أصحاب ملايين، بل ربما مليارديرات، يلعبون بالنقود، وبالبيضة والحجر.
الفساد هو الغول الذي أقصده، ولو أنصف القائمون على موسوعة غينيس للأرقام القياسية لجعلوا الغول السوري على رأس قائمة الفساد في العالم.
أعرف أن الفساد كالإرهاب لا وطن له، وأنه موجود في كل دول العالم، لكنني أزعم أننا في سورية سجلنا رقماً قياسياً في الفساد، بفضل الذكاء الفطري والمكتسب للفاسدين والمفسدين، ما يؤهلنا فعلاً لاحتلال هذه المرتبة الرفيعة.
وأعرف، ويعرف الكثير من الناس أن الفساد ينمو ويترعرع ويتشعب في أي منطقة في العالم تشهد حروباً ومنازعات، وانفلاتاً أمنياً، لكن هذا لا يبرر هذا التوسع الأفقي والعمودي للفساد عندنا، ولنعترف بأن هناك من شجعته الأزمة التي مرت فيها سورية على الإيغال في الفساد، فقد صور لهم المتآمرون على سورية أن النظام الوطني في سورية سيسقط بين لحظة وأخرى، بل حددوا تواريخ لهذا السقوط، فرأى الفاسدون بالأصالة والتقليد، أنهم أمام فرصة للنهب من المال العام قبل سقوط النظام، وتحويل أرصدتهم المغمسة بالدم السوري إلى مصارف خارج البلاد، خاصة في جزر كايمان حيث لا قوة في الأرض قادرة على الوصول إليها وكشف حسابات المودعين اللصوص.
اليوم انقشعت الغمامة، وها هي سورية تحرر معظم الأرض التي استولى عليها الإرهاب بمساعدة دول ومشيخات وأنظمة، وصار على الدولة وسلطتها التنفيذية العمل على مكافحة آفة الفساد بوجهيها التقليدي القديم والآخر الجديد المتمثل بالفاسدين الجدد الذين نموا خلال هذه الأزمة، وإذا كنت أمر على أمور تبدو تافهة، فذلك أنها أثقلت كاهل الشعب الذي عاش في حضن الوطن ولم يعد لهذا الحضن تحت ضغط اللحظة الراهنة!
وأتمنى أن يتم إحداث وزارة للفساد، عفواً «لمكافحة الفساد» في التغيير أو التعديل الوزاري القادم، وإحداث وزارة للسعادة، إن وجدت، لكن أخشى أن يصل إليها وزير فاسد، عندها قل على الدنيا السلام.
وأذكّر رئيس مجلس الوزراء بحادثة معروفة في التاريخ الحديث عندما جاء الأعيان وكبار القوم في بريطانيا إلى رئيس الوزراء وينستون تشرشل وأبلغوه أن الفساد عم بريطانيا، فلما سألهم: هل وصل إلى القضاء؟ فقالوا: لا، إذاً لا تقلقوا على بريطانيا فهي بخير!.
لكن الخشية أن يكون الفساد عندنا قد وصل إلى القضاء، عندها لن نكون حتماً بخير، والكرة في ملعب الحكومة وكل من يعمل صادقاً من أجل سورية ومستقبل السوريين الذين أنهكتهم الأزمات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن