ثقافة وفن

اغتيل ناجي العلي وبقي حنظلة … نشر أكثر من 40 ألف لوحة كاريكاتورية علقت في الوجدان وتميزت بالنقد اللاذع والموجه

| وائل العدس

اغتيل رسام الكاريكتر ناجي العلي جبناً، أياد مرتعشة بخوفها أطلقت الرصاص على جسده الثائر في الثاني والعشرين من تموز 1987 في لندن، معتقدة أنها ستقتل ثورة الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني، ولكنها لم تعلم أنها أحيت الكرامة والحرية.
في التاريخ المذكور أطلق شاب مجهول النار على ناجي فأصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 آب 1987 ودفن بمقبرة بروك وود الإسلامية في لندن، وقبره الوحيد الذي لا يحمل شاهداً ولكن يرتفع فوقه العلم الفلسطيني.
وصفته مجلة التايم بـ«الرجل الذي يرسم بعظام البشر»، وقالت فيه صحيفة أساهي اليابانية: إن «ناجي العلي يرسم بحامض الفوسفور، تعبيراً على صراحته الشديدة والمباشرة في رسوماته.
كان العلي مولعاً ولعاً شديداً بالأفكار الجديدة، التي أراد أن يبثها في وعي المتلقي، فكان رساماً يهتم بالفكرة أكثر من اهتمامه بالتشكيل، فقد كان يقول: «الفكرة عندي أهم من التشكيل والتوزيع».
كان محبوباً جداً لعمله ولكن أيضاً كان مكروهاً بشدة، فقد كان يتلقى العديد من التهديدات بالقتل هو وأسرته.

تهجير واعتقال

ولد العلي عام 1937 في قرية الشجرة، وبعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تهجر مع أهله إلى جنوب لبنان حيث عاشوا في مخيم عين الحلوة، وهناك اعتقلته قوات الاحتلال وهو صبي لنشاطه، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها، سافر إلى طرابلس ونال منها على شهادة ميكانيكا السيارات.
كان غسان كنفاني قد شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة له لمخيم عين الحلوة فنشر له أولى لوحاته وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ونشرت في مجلة «الحرية» العدد 88 في 25 أيلول 1961.
وبعد إنهاء دراسته هاجر إلى الكويت والتحق بعدد من الصحف الكويتية كرسام كاريكاتير، قبل أن يعود إلى صحيفة السفير اللبنانية، لكنه التحق مجدداً في عام 1982 بجريدة القبس الكويتية.
تميزت أعماله الفنية بالنقد اللاذع والموجه، وهو أشهر فنان فلسطيني سخر فنه للتغيرات السياسية ولخدمة فلسطين وشعبها ولفضح الاحتلال.
أصدر ثلاثة كتب في الأعوام (1976، 1983، 1985) ضمت مجموعة من رسوماته المختارة، وكان يتهيأ لإصدار كتاب رابع لكن وفاته حالت دون ذلك.
وشاركت رسوماته في عشرات المعارض العربية والدولية، وحصلت أعماله على الجوائز الأولى في معرضي الكاريكاتور للفنانين العرب، أُقيما في دمشق في عامي (1979، 1982)، وقد اختارته صحيفة أساهي اليابانية كواحد من بين أشهر عشرة رسامي كاريكاتير في العالم.
وقد نُشر أكثر من 40 ألف لوحة كاريكاتورية لناجي طوال حياته، علقت في الوجدان ما عدا المحظورات التي ما زالت حبيسة الأدراج.
تزوج من وداد صالح نصر من بلدة صفورية في فلسطين وأنجب منها أربعة أبناء هم خالد وأسامة وليال وجودي.

حنظلة

ابتدع العلي شخصية حنظلة البالغ من العمر 10 سنوات، حيث ظهرت أول لوحة تضم هذه الشخصية عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، وأصبحت فيما بعد بمثابة توقيع على لوحاته، وحظيت بحب الجماهير العربية لأنها تعبير عن صمود الشعب الفلسطيني بوجه المصاعب التي تواجهه، وخاصةً أن حنظلة هو شبه للفلسطيني المعذب والقوي.
ولد حنظلة في 5 حزيران 1967، ويقول العلي: إن حنظلة هو الأيقونة التي تحفظ روحه من الانزلاق، وهو نقطة العرق التي تلسع جبينه إذا ما جبن أو تراجع.
ويضيف: «ولد حنظلة في العاشرة في عمره، وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء».

شخصيات أخرى

كان لدى ناجي شخصيات أخرى رئيسية تتكرر في رسومه، شخصية المرأة الفلسطينية التي سماها «فاطمة» في العديد من رسومه، وهي شخصية لا تهادن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحياناً في العديد من الكاريكاتيرات ويكون رد فاطمة قاطعاً وغاضباً.
أما شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين ما يوحي بخشونة عمله.
مقابل هاتين الشخصيتين تقف شخصيتان أخريان، الأولى شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له ممثلاً الخونة والانتهازيين، وشخصية الجندي الإسرائيلي، طويل الأنف الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكاً أمام حجارة الأطفال، وخبيثاً وشريراً.
ومن الشخصيات النسائية ذات القوام المتناسق والملبس الطويل والمنديل، نجد «أم عبد القادر»، تلك المرأة التي تصنف نفسها من سيدات المجتمع الراقي، فهي مبطونة متكرشة، لا تلبس المنديل، وتقص شعرها وتصففه وفق الموضة وتلبس على الموضة والأحذية ذات الكعب العالي، وتتزين بالخواتم والعقود والأساور الذهبية وتشرب الخمر، وتدخن التبغ.
إنها النقيض تماماً لفاطمة في مختلف صورها، فهي رمز الجشع والطمع والانحلال، وهي تمثل جوهر حياة المستغلين والمتسلقين والانتهازيين الذين يعيشون في قصور فخمة يلبسون الثياب الفاخرة ويجمعون الذهب، ولا علاقة لهم بالوطن.

إلا بالقوة

كان من الطبيعي أن يدرك العلي منذ بداية حياته الفنية بحسه الوطني ومن خلال التجربة القاسية التي مر بها منذ كان طفلاً في تلك القرية الشمالية الأثرية «الشجرة»، التي اجتاحها الوباء في عام 1948، أن الحل السياسي للقضية الفلسطينية كما سماه «حل ميئوس منه»، وأن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.
فقد كانت من أوائل رسوماته في هذا الصدد اللوحة التي يصور فيها سيدة من سيدات الوباء تنشر غسيلها في العراء، وهي مندهشة ومفزوعة من الشورت الذي يقطر دماً، والقميص الذي يرفع كُمَيه علامة الاستسلام، وفي يمين خلفية الصورة يشرح حالة الخوف والرعب التي يعيش فيها اليهود. وهذا الموقف السياسي من القضية الفلسطينية هو الموقف الذي تبناه العلي منذ بدء حياته الفنية المبكرة، ولم يغيره ولم يتنازل عنه في المستقبل، فقد كان شعار «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» أحد الشعارات القوية المطروحة في الشارع العربي والشارع الفلسطيني في ذلك الوقت المبكر من الستينيات.

أشهر اقتباساته

– أنا ضد التسوية ولكني مع السلام.. وأنا مع تحرير فلسطين، وفلسطين هنا ليست الضفة الغربية أو غزة، فلسطين بنظري تمتد من المحيط إلى الخليج.
– اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حالو: ميت.
– هكذا أفهم الصراع: أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب.
– كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي، أنا أعرف خطاً أحمر واحد: إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع اتفاقية استسلام وتنازل عن فلسطين.
– أن نكون أو لا نكون، التحدي قائم والمسؤولية تاريخية.
– أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر.
– حالة الحزن ظاهرة إنسانية نبيلة، بل هي أنبل من الفرح، فالإنسان يستطيع افتعال الفرح، أما الحزن فلا.
– المناضل الحقيقي دائم العطاء يأخذ حقه من خلال حقوق الآخرين وليس على حسابهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن