قضايا وآراء

إن لم تستح فافعل ما شئت

| محمد نادر العمري

لم تتوان جماعة الخوذ البيضاء على ختم نهاية سجلها المشبوه في سورية بإظهار العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، الذي أوكلت إليه مهمة استخباراتية وفق تعبير رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو من قبل أميركا وكندا وبعض الدول الغربية لإجلاء عناصر هذه المنظمة من الجنوب السوري، بعد الانهيارات المتسارعة في صفوف مسلحي الجنوب وبخاصة جبهة النصرة الإرهابية التي طالما كان وجودها في نقطة معينة يشكل ساحة تواجد لعناصر الخوذ البيضاء، وهذا الترابط والتواجد المشترك ظهر منذ عام 2013 في بستان القصر بمدينة حلب وقبل يومين من اجتماع دعت إليه أميركا ودول أوربية حول سورية، حيث طالبت هذه الجماعة مجلس الأمن باتخاذ إجراءات ضد الحكومة السورية بزعم مجزرة نهر قويدر.
طالما شكلت كل تقارير هذه المنظمة مرجعية أساسية للدول الغربية والمنظمات الدولية حتى إن الولايات المتحدة الأميركية استندت لتبرير عدوانها عام 2017 على مطار الشعيرات و2018 على دمشق وعدد من المناطق العسكرية الأخرى على تقارير إعلامية نشرتها هذه الجماعة اتهمت بها الحكومة السورية وروسيا باستخدام السلاح الكيميائي في خان العسل والغوطة، بعد الدعم والترويج الإعلامي الكبيرين الذي حصلت عليه هذه الجماعة تحت مسمى «الدفاع المدني السوري» فضلاً عن الدعم المادي الذي قدمته عدد من أجهزة الاستخبارات متجاوزاً 150 مليون دولار شهرياً في الفترة الممتدة من 2013 حتى نهاية 2017.
هذا السجل الحافل لأصحاب القبعات البيضاء من أعمال وعلاقات مشبوهة وإخراجهم على نحو طريق آمن بإشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي يطرح نقاطاً وتساؤلات متعددة لابد من التوقف عندها:
أولاً: لماذا لم يتوجه أعضاء هذه المنظمة نحو الشمال السوري على غرار المسلحين الرافضين للمصالحات وبخاصة النصرة التي تربطها علاقة متينة ومتكاملة معها؟
ثانياً: لم هذا الإسراع الذي أبداه الغرب وبخاصة أميركا وكندا وبريطانيا وألمانيا لإخراج هذه العناصر، وما هي اﻷسباب التي دفعت هذه الدول للتخلي عن تشددها فيما يتعلق بموضوع الهجرة وإبداء رغبتها باستقبال هذه العناصر على أراضيها خلال ثلاثة أشهر؟ وما هو السبب الذي دفع الكيان الإسرائيلي لفتح حدوده وتأمين ممر آمن لهم بتوقيت وجه به جيش الاحتلال إنذارا لمسلحي المجموعات المسلحة من الاقتراب نحو الحدود؟
ربما السؤال الأبرز والأهم الذي يجب أن يتم طرحه والإجابة عليه يحمل أجوبة مترابطة على الأسئلة السابقة: هل انتهت مهمة ما سمي بالخوذ البيضاء وما هي وظيفتهم بالمرحلة القادمة؟ يبدو واضحا ومسلما به أن الانهيار السريع للمجموعات المسلحة في الجنوب السوري دفع هذه الدول للمسارعة ﻹخراج أصحاب القبعات البيضاء من هذه الرقعة الجغرافية لعدة أسباب:
* معظم الأشخاص الذين تم إخراجهم يحملون جنسيات متعددة وكذلك يتبعون لاستخبارات أوروبية وأميركية وخليجية وهذا ما يفسر أن القسم الأكبر ممن تم إخراجهم لم ينقلوا للأردن على غرار أكثر من 800 شخص تم نقلهم لمخيم الزعتري.
* حرمان الحكومة السورية من تحقيق إنجاز يزيد من حرج دول الغرب في حال تمكنها من إلقاء القبض على هؤلاء والخشية على بنك المعلومات ووسائل العمل المتطورة التي زودتهم بها أجهزة استخبارات هذه الدول.
* رغبة هذه الدول في استثمار هؤلاء ضمن المرحلة القادمة في صراعها مع سورية والمنطقة عامة، فقد يتم استخدام هؤلاء للضغط على الحكومة السورية سياسيا تحت ذرائع «جرائم» أو «شهود على انتهاك حقوق الإنسان».
أما على مستوى المنطقة يبدو أن واشنطن تريد استثمار هؤلاء بعد تمتعهم بالخبرة والحنكة في صناعة الأزمات وإدارتها في صراعها مع إيران في إطار الحرب الناعمة، فقد تلجأ لنقلهم نحو الداخل الإيراني أو تسند إليهم مهام كتدريب عناصر إيرانية.
أن تقدم الدول المعتدية على سورية بسحب أدوات تأثيرها من داخل الجغرافية السورية، هذا يعني اعترافاً ضمنياً بتعرض أجنداتها وإستراتيجياتها للفشل، دون أن يعني استسلامها للهزيمة، فهذه الدول تمارس عدوانها بكافة الأشكال والوسائل والأساليب.
رحم اللـه من قال: «إن لم تستح فافعل ماشئت».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن