«الرسالة» في نسخة مطورة بعد 40 عاماً على عرضه … منى واصف: الفيلم أجمل وأمتع تجربة في حياتي … دريد لحام: العقاد أول فارس عربي يخترق العقل الغربي
| وائل العدس- تصوير طارق السعدوني
بعد أربعين عاماً على عرضه أول مرة، أقامت الجمعية السورية للسياحة المستدامة «الفينيق» حفلاً خاصاً في صالة سينما سيتي بحضور فني ورسمي كبير، استعادت فيه فيلم «الرسالة» بتقنية 4K التي تعطي عشرة أضعاف الدقة العادية بالصوت والصورة.
مالك العقاد، نجل المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد سار على نهج أبيه ونجح بإحداث نسخة مطورة من الفيلم الشهير، حيث أكد في تصريح صحفي سابق أن والده كان يحاول نشر رسالة ملؤها الحب والسلام من خلال الفيلم، ومع ذلك واجه معارضات كثيرة، والسبب يعود إلى عدم استعداد الناس لتقبل أعمال كهذه في ذلك الزمن، حيث كان العمل سابقاً لأوانه.
وقُدم قبيل عرض الفيلم، فيلم تسجيلي قصير ضم صوراً ولوحات من مسيرة حياة العقاد منذ طفولته في حلب وهجرته شاباً يافعاً إلى الولايات المتحدة لتحقيق طموحه والعمل في هوليوود، وعرض مقتبسات من آرائه الفكرية والفنية التي عبرت عن انتمائه الشديد لأمته ودفاعه الثابت عن قضاياها.
كما كرمت السيدة ليلى العقاد الفنانة منى واصف ومنحتها درع التكريم عن مشاركتها في بطولة فيلم «الرسالة».
قصة الرسول
ويروي فيلم «الرسالة» قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال حياة أصحابه وتابعيه.
في القرن السابع الميلادي في مكة يبعث محمد رسولاً وبعد ثلاث سنوات من البعثة يتلو ما يوحى إليه.
يقرر «أبو سفيان» وزوجته «هند» الوقوف ضد الرسول لكن الأخير لا يكف عن دعوته، ويتم تعذيب المسلمين مثل بلال بن رباح وعمار بن ياسر.
يتعرض النبي محمد إلى المؤامرات فهاجر إلى المدينة وفيها يتم استقباله ويبدأ المسلمون في نشر رسالة الإسلام وتبدأ معها غزوات الرسول ومعه الصحابة.
ويؤدي أدوار البطولة فيه عبد الله غيث ومنى واصف وأحمد مرعي ومحمد العربي وعلي أحمد سالم ومحمود سعيد وحسن الجندي وحمدي غيث وسناء جميل وعبد الوارث عسر ومنير معاصري وعبد الرحيم الزرقاني والطيب الصديقي وملك الجمل وسالم قدارة وعبد العظيم عبد الحق ومارتن بنسن ورونالدو لي هنت.
الفارس العربي
وفي كلمته أمام الحضور، أكد دريد لحام أن مصطفى العقاد ذلك الفارس العربي الذي امتطى صهوة المجهول، طائر بأجنحة الحلم، سلاحه الوحيد الإيمان بالله والوطن، صمم أن يجعل الشمس تشرق من الغرب، فشرقت شمسه بفيلمي «الرسالة وعمر المختار»، وكان أول فارس عربي يخترق العقل الغربي وأخشى أن يكون آخر الفرسان.
وقال: احتضن بكرمه ورعايته كل فنان عربي حط في لوس أنجلوس، لذلك كلنا يعرف بيته جيداً هناك ويحفظ عنوانه عن ظهر قلب.
وأشار إلى أن العقاد انتصر على غربة الغرب ولم يستسلم لها، وبقي قلبه الواسع وسع الوطن ينبض بالعربي، فبقي اسمه مصطفى وليس ستيف، وأبو طارق ومالك وزايد وريما التي لم يطق البعد عنها فحضنها وحط معها في جنة رب العالمين عندما اغتالته يد الكفر والتكفير في لحظة كان يفخر فيها لفرح الآخرين.
وكشف أن العقاد لم يكن يسمح لأحد منا أن يناديه «أستاذ مصطفى»، لكنه اليوم لا يستطيع أن يمنعنا من أن نناديه يا أستاذ يا كبير، سامحنا واغفر لنا لأن الغرب فهمك وقدّرك وكرمك، ونحن تأخرنا في فهمك وتقديرك وتكريمك، وعلقنا لك الأوسمة بعد فوات الأوان، سامحنا لأن الرسالة مازال ممنوعاً في بعض بلاد النفاق.
وختم بالقول: لن ترحل وستبقى حاضراً بيننا، حياً في وجداننا نستعيد طيفك وغليونك كلما أعوزنا الفرح.
مسيرة حافلة
أما ابنة شقيق العقاد ورئيسة جمعية «الفينيق» ديمة العقاد فقالت: 13 عاماً على استشهاد مصطفى العقاد الذي حمل معه الحضارة السورية وروح الإسلام الحقيقي ورسالته، عندما كان شاباً صغيراً كان يقول إنه يريد أن يصبح مخرجاً عالمياً في هوليوود، في ذلك كان كلامه كمن يريد الصعود إلى القمر، وبعد بضع سنوات سافر ليحقق حلمه محملاً بأخلاقه وأحلامه وإنسانيته.
وأردفت: ما بين رحيله عن حلب وبين رحيله الأخير عنا كانت له مسيرة طويلة حافلة بالعطاء والتحدي، وكان طموحه أن ينقل للعالم الصورة الحقيقية للحضارة العربية، وليثبت أن الإسلام دين التسامح والسلام، فحمل في جعبته سيناريو «الرسالة» أكثر من 15 عاماً ليتمكن من تحقيقه أخيراً، وفي ظاهرة غير مسبوقة تم تصوير نسختين في آن واحد، العربية والأجنبية مع فريق ممثلين مختلف تماماً، وتمت ترجمته إلى 30 لغة عالمية وعزفت موسيقاته الفرقة السيمفونية الملكية البريطانية، وعرض في300 صالة في الولايات المتحدة وحدها، وبلغت ميزانيته 10 ملايين دولار، وفاقت إيراداته 100 مليون دولار، وكان أكثر فيلم تناول الإسلام في عمقه، وحقق أعلى نسبة مشاهدة في العالم.
وبينت أن عمها كان يقول إن سلاح الإعلام أقوى من سلاح الدبابات وأقوى من أي سلاح، كان في أعماق روحه ينبض نبلاً وكرماً، وكان ينتقل من مكان لآخر ليساهم في دعم المشاريع الخيرية والإنسانية في سورية وخارجها، وكان يتبني المواهب الشابة ويقدم لها كل الدعم والتشجيع، وكانت أبواب بيته مشرّعة للجميع حتى أصبحت أشبه بمضافة.
وكشفت أنها ولدت في السنة نفسها وفي المكان نفسه الذي صور الفيلم في قلب الصحراء، وقد اختار المخرج الكبير اسمها بنفسه.
أجمل تجربة
وفي حديثها لـ«الوطن» أكدت بطلة الفيلم منى واصف أن الفيلم وصل للعالمية لأنه كان عالمياً بكل تفاصيله من مخرجه إلى ممثليه العرب والأجانب إلى تقنياته العالية التي كانت تستخدم في هوليوود، وقد صور بطريقة مدروسة بأيدي مخرج سوري عالمي مهم هو مصطفى العقاد، لذلك كان من الطبيعي أن يخرج بهذه النتيجة المبهرة.
ووصفت تجربة فيلم «الرسالة» بأنها أجمل وأمتع تجربة في حياتها، متمنية لو يعود الزمن إلى الوراء لتشبع من رؤية العقاد وتشكره بشكل أكبر.
وأضافت: لا أحب العودة إلى الوراء، فأنا امرأة الغد، وغداً أجمل، لكني أتمنى أن ينجز فيلم سوري بالمستوى نفسه، فسورية ولّادة بالموهوبين ويجب أن تخرّج مخرجاً مثل العقاد.
موجود معنا
ورأى أسعد فضة أن افتتاح الفيلم اليوم يبدو وكأنه أول افتتاح، لأنه العبقري مصطفى العقاد موجود معنا دائماً، وأنا حزين لأنني لم أشارك في هذا الفيلم.
وأكد أن هذا الفيلم جعل السينما السورية تنطلق نحو العالم العربي والعالم، والفيلم منح أبطاله إطلالة جديدة، بينما يشكل فرصة للشباب ولكل السينمائيين بأن يروا كيف كانت السينما السورية.
قيمة كبيرة
وعبّر المخرج باسل الخطيب عن إعجابه بمصطفى العقاد على المستويين الإبداعي والشخصي، خاصة أنه إنسان سوري سافر وواجه العالم وتحدى كل الصعوبات ونجح بتشكيل حالة كمنتج ومخرج.
وقال: خلال العرض الأول لفيلم «الأب» كان مضى على تحرير حلب أسابيع قليلة، فأهديت هذا الفيلم لشهداء حلب وللعقاد الذي كان من طليعة الشهداء الذين طالتهم يد الإرهاب الظلامي والظالم، مضيفاً إن «الرسالة» قيمة فنية كبيرة وسعيد جداً بأن نتابع مجدداً هذا الفيلم، لأن هناك دروساً كبيرة نتعلمها منه ومن تجربة العقاد الشخصية.
وأضاف: يتمتع العقاد بموهبة فذة، وهو رجل عرف ما يريد ونجح، والفيلم كلف 10 ملايين دولار وحقق إيرادات 100 مليون دولار، وهذا دليل على نجاحه على المستوى التجاري.
ضرورة قصوى
وأكد غسان مسعود أن الفيلم شكل رسالة قديمة وجديدة ومستقبلية لإعادة النظر في ثقافة الإسلام التي شوهت كثيراً وباتت في الغرب عنواناً للشيطنة، وأصبح الإسلام مرضاً نتيجة للفكر المتطرف الذي غزا شرائح كثيرة في مجتمعنا العربي والإسلامي وكان له ممارسات على الأرض ليس بها شيء سوى الدماء.
وبيّن: لذلك فإن فيلم «الرسالة» ضرورة قصوى لتوضيح المفهوم الإسلامي والأهم أن نستذكر رجلاً لو كتبه تاريخ السينما في يوم من الأيام لكان ينبغي أن يكون في الصفحة الأول من كتاب التاريخ.
الإسلام رسالة
وأوضحت ديمة قندلفت أن مصطفى العقاد أدرك مبكراً بأن الإسلام رسالة وليس تزمتاً، وأن الأديان وجدت كي تنظم حياة الإنسان وتهذب سلوكه، مشيرة إلى أن سورية ولادة للمبدعين رغم الظروف الحالية.
ورأت أن العقاد وصل إلى العالمية لأنه أغرق في المحلية، في وقت يعاني فيه الشرق الأوسط التزمت الطائفي في الأديان والطوائف كافة، ويبدو أنه العقول وكيفية تفكيرها وأثبت نفسه عالمياً.
خالد وباق
وقالت ريم عبد العزيز: إن مصطفى العقاد مخرج كبير وخالد وباق في وجداننا وذاكرتنا، وسيبقى مدرسة نتعلم منها، وقد أغنى السينما السورية والعربية والعالمية، وكان لفيلمه «الرسالة» الأثر البالغ في ذاكرتنا الإنسانية، وكان الحضن الكبير لكل وافد إلى أميركا، وعندما التقيته مصادفة في القاهرة بأحد المهرجانات كانت لابتسامته الأثر البالغ في نفسي… المبدعون لا يرحلون.
الانتماء العربي الإسلامي
ولد مصطفى العقاد في حلب عام 1930، ثم غادرها إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الإخراج والإنتاج السينمائي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وأقام فيها حتى أواخر مراحل حياته.
كان والده البداية رافضاً دخوله إلى مجال الإخراج ولكنه في النهاية شجعه على المضي قدماً والسعي لتحقيق طموحه، وكان مربياُ فاضلاُ علمه الدين الإسلامي أنه دين الرحمة والعدل والمساواة، وعند سلم الطائرة قدم له مبلغ مئتي دولار والقرآن الكريم ليكون مؤنساً له في وحدته وغربته وحط رحاله في (كاليفورنيا) حيث درس في جامعتها وتفوق على كل زملائه ولا يزال اسمه بين قائمة المتميزين في هذه الجامعة، ونال الجائزة الأولى في الجامعة.
استطاع العقاد أن يخترق أبواب هوليوود بطاقته الإبداعية الكبيرة محافظاً على انتمائه العربي والإسلامي فلم يقبل أن يغير جلده العربي وعندما سألوه: لماذا لم تغير اسمك لتجد فرصاً أفضل؟ أجاب: كيف أغيره وأنا ورثته عن والدي.
كان يريد أن يتعرف العالم إلى الإسلام الحقيقي، وكان يريد أيضاً أن يعرّف الغرب بجوهر هذا الدين الذي يقوم على المحبة والمعاملة بالحسنى.
عند إخراجه لفيلم الرسالة، استشار العقاد علماء الدين المسلمين لتفادي إظهار مشاهد أو معالجة مواضيع قد تكون مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي.
ورأى الفيلم كجسر للتواصل بين الشرق والغرب وخاصة بين العالم الإسلامي والغرب ولإظهار الصورة الحقيقية عن الإسلام.
وذكر في مقابلة أجريت معه عام 1976: «لقد عملت الفيلم لأنه كان موضوعاً شخصياً بالنسبة لي، شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام. إنه دين لديه 700 مليون تابع في العالم، هناك فقط القليل المعروف عنه، ما فاجأني. لقد رأيت الحاجة بأن أخبر القصة التي ستصل هذا الجسر، هذه الثغرة إلى الغرب.
في 9 تشرين الثاني عام 2005 استشهد العقاد مع ابنته في التفجير الإرهابي الذي حصل في أحد فنادق عمّان، حيث يهمان لحضور حفل زفاف أحد الأصدقاء.
كان قبل استشهاده يحضّر لعمل فيلمين سينمائيين أولهما يتحدث عن فتح الأندلس والآخر يتحدث عن صلاح الدين الأيوبي، يوازيان جودة الأعمال السابقة.
في عام 2010 أصدر السيد الرئيس بشار الأسد مرسوماً جمهورياً يقضي بمنح المخرج الراحل مصطفى العقاد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة تقديراً لإبداعه وخدمة وطنه وأمته بكل إخلاص ونزاهة وتجرد وانتماء.