ثقافة وفن

سنية صالح شاعرة في الظل الذي لم يتسع لها … رغم ريادتها في قصيدة النثر لم تأخذ حقها في النقد الأدبي وغابت خلف اسم الماغوط

| سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»

الطفولة ضائعة بين آلام وأحزان ملحة وعميقة في الذاكرة. ظروف الحياة القاسية تطبع في ثنايا النفس والفؤاد مشاعر وأحاسيس ليس بالهين إقصاؤها بعيداً، وما بين الحنين والشوق مع الحب الكبير، يعيش المرء صراعا ذاتيا موغلاً في الوحشية الموجعة، بين عتبات ذكريات كانت حياة مفعمة لمرء عاش عمرا. الكلام ينسب لسيدة اختارت العطاء والظل على حب الظهور والشهرة، لملمت الآلام والأحزان المصارعة للواقع المر مع التمسك بالبقاء وحريته إثبات الذات، كلّ ذلك الأنين منحها مفردات وجملاً لتكون رائدة في قصيدة نثرية ليس بالسهل فهما، وليس بمتعة الحب والأمل، بل فيها من التفكّر الشيء الكثير. إنها الشاعرة سنية صالح التي آثرت الظل في احتضان بناتها وعائلتها وزوجها، مع إبداعاتها غير مهتمة ولا آبهة لانتشار اسم أو تحقيق نجاح، بل كانت المرأة العظيمة وراء الرجل العظيم الماغوط، الذي اعتبر بوفاتها رحيل أخر طفلة في العالم. وتخليدا لذكراها ولرسالتها المعطاء أقامت وزارة الثقافة وتحت عنوان(سورية صنعن المجد)الندوة الشهرية السادسة (سنية صالح شاعرة في الظل) في قاعة مكتبة الأسد بدمشق.

تجربة جديرة بأن تدرس

بداية حدثنا د. إسماعيل مروة وهو مدير الندوة التي محوره فيها يختص بالجانب الشخصي من حياة سنية صالح من حيث رفقتها بالماغوط، جاء كلامه مشدداً على أن الشاعرة سنية صالح من الشاعرات السوريات الرائدات اللواتي يستحققن الوقوف عندهن لكون تجربتها جديرة بأن تكون موضوعا لرسائل أكاديمية، متابعا «والندوة جاءت بعنوان (سنية صالح شاعرة في الظل)، طبعا سنية صالح شاعرة سورية من الشاعرات السوريات الرائدات القلائل، اللواتي كتبن الشعر الحديث، ولقد كانت من فريق مجلة (شعر) مع يوسف الخال، وأدونيس، ومحمد الماغوط. موضوعات الشاعرة صالح الشعرية هي موضوعات مضمخة بالألم، وهي قالت: (لا أريد قصيدة تطرب الجمهور بل أريد قصيدة تستنفر الجمهور) بمعنى أنها لا تريد أن تمتّع القارئ، بل تريد أن تثيره وتدفعه للتفكّر بأشياء، فهي شاعرة غير تقليدية، من حيث اختيارها لشعر القصيدة المنثورة، ومن حيث موضوعاتها التي تحتاج إلى مزيد من التأمل». وعن الجانب الشخصي والإنساني للشاعرة أشار د. مروة إلى أنه تم اختيار الشاعرة صالح كي تكون اسما من بين الأسماء المطروحة في الأربعاء الثقافي، لريادتها في قصيدة النثر ولعلاقتها بالماغوط، مضيفاً: «تتميز سنية صالح بميزات لعل من أهمها ارتباط اسمها بالكبير محمد الماغوط، مبدعة وزوجة، فـ (سنية) لم تأخذ حقها في ميدان الشعر بسبب ارتباطها بالماغوط، وأغلب الشهرة تمت في مراحل متأخرة لأنها كانت تعطي حياتها لابنتيها وزوجها، هذا إضافة إلى السمات الشخصية الخاصة بها التي رافقتها وحملتها منذ طفولتها المعذبة، سواء بسبب مرض أمها ووفاة الأخيرة، ما خلّف لديها مشكلة تجاه الأمومة. كما ترى أن الأم مظلومة دوما، وغير قادرة على فعل ما تريد، فأفكارها هذه بسبب طلاق أمها ومن ثم كما ذكرت بسبب مرضها ووفاتها، هكذا كانت أخبرتنا أختها خالدة سعيد زوجة أدونيس». خاتما بأن شاعرتنا هي امرأة من نوع خاص ولدت في زمن الحركات الفكرية التي تدعو إلى حرية المرأة لكنها أرادت بحريتها أن تكون امرأة قبل أن تكون شاعرة.

زهرة في بستان الأبدية

تحت هذا العنوان حدثنا الشاعر أ. بديع صقور عن أن الشاعرة المكرّمة رحلت وهي في عزّ نتاجها الإبداعي وربما هذا من أسباب عدم انتشار اسمها الذي ارتبط بالماغوط رفيق الدرب، قائلا: «سنية صالح كما جاء في العنوان (شاعرة في الظل) ولكنني كتبت عن سنية.. سنية صالح زهرة في بستان الأبدية. هذا العنوان أرجعني إلى خاطرة قديمة طرأت على بالي صباح الندوة، في مرة في صغري كنت أقف على رأس جبل في قريتنا، وكان ذلك في ليلة مقمرة، كنت أنظر إلى القمر، وشعرت بأن القمر بستان من زهور الضوء… لهذا أنا أسمي سنية صالح… زهرة في بستان القمر». وحول مداخلته أضاف الشاعر صقور: «سنية صالح في الزمان الضيق، في حبر الإعدام، في مجموعتها القصصية الغبار وفي ذكر الورد، هي امرأة تبحث عن الحب تبحث عن الحياة تبحث عن وطن آمن بعيد عن قتلة يمكن أن يقتلوا الحب، في هذه العجالة من حياتها التي لم تطل أكثر من خمسين عاما، فجاء نصي متماهيا مع نصوص سنية صالح، واتخذت لها مقاطع، وجاء نصي عن علاقتها بمحمد الماغوط، وكيف كتب على قبرها (هنا ترقد سنية صالح أخر طفلة في التاريخ). هذه الصور أو المحطات هي محطات وقفت عندها «سنية» بكل حب، ولكوني شاعراً فمن الطبيعي أن أدرك تماما أنها شاعرة عميقة، وربما الذي أبقاها في الظل كونها زوجة الماغوط، وكونها أيضاً رحلت في عام1985 وهي في عز العطاء».

مميزات النص الشعري

في حين تطرق د. عبد اللـه الشاهر في مداخلته إلى المميزات الشعرية والخصائص الشعرية في النص الشعري لسنية صالح، حيث يقول: «تناولت الخصائص الشعرية التي تضمنها النص الشعري من حيث الشكل الفني، والمفردة، ومن حيث تمكن الشاعرة من كسرها لحالات الوزن الشعري أو ما يسمى الكلاسيكي. هذا مع الإضاءة على ما تعرضت له سنية صالح من ألم وحزن ومعاناة وتجدر الإشارة إلى أن شعر سنية صالح يتميز بالحزن والعمق الذاتي واستعادة الأزمنة القديمة التي كانت تلح على الشاعرة، ومنها الطفولة التي تريد استعادتها من خلال نصها الشعري، وبالطبع مجال الدراسة لشعر سنية صالح واسع وكبير، ولكن كما قال عنها الشاعر محمد الماغوط لم تأخذ حقها في النقد الأدبي وكما يقول أيضاً إن اسمه قد آذاها. مداخلتي هي إضاءة على سنية صالح وهي تستحقها، ونأمل بأن هذه البادرة من وزارة الثقافة أن تكون بابا واسعا لدراسة هذه الشخصية الريادية في أدب النساء السوري».

تجدر الإشارة

ولدت شاعرتنا في مصياف عام1935وكانت قليلة الكلام شديدة الحياء في طفولتها، عاشت طفولة قاسية بفقدها أمها، حصلت على الثانوية العامة للفرع العلمي، درست الأدب الإنكليزي، حيث بدأت موهبتها بالتفتح، التقت الشاعر محمد الماغوط في بيت أختها خالدة سعيد زوجة أدونيس في بيروت، هذا اللقاء أفضى إلى الزواج الذي نما فيه الحب وسط ظروف صعبة. أصيبت سنية بمرض عضال وتوفيت بعد صراع مع المرض في عام1985، وبقي طيفها مرافقا خيال الماغوط الذي قال عنها «إنها شاعرة كبيرة لم تأخذ حقها، ربما آذاها اسمي، فقد طغى على حضورها، وهو أمر مؤلم جدا، كما أنها لم تأخذ حقها نقديا». تركت لنا سنية صالح أربع مجموعات شعرية هي: الزمان الضيق، حبر الإعدام، قصائد، مجموعة قصصية بعنوان الغبار. فازت بعدة جوائز منها: جائزة «جريدة النهار» لأحسن قصيدة حديثة عام1961، وجائزة مجلة «حواء» للقصة القصيرة عام1964، وجائزة «الحسناء» للشعر عام1967.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن