البروباغندا
| زياد حيدر
في الحرب التي جرت علينا وبيننا وبالوكالة في سورية، دروس وعبر كثيرة، بعضها سيستغرق وقتا كي نستوعبه، وبعضها الآخر فُهِمَ من الأسابيع الأولى.
بين الأخيرة، بلا أدنى الشك، الموضوع الذي فيه الكل خبراء ومنظرين ولكن من دون فاعلية تذكر، وهو الموضوع الإعلامي، والبروباغندا التي واكبت الحرب وما زالت أحد أهم أسلحتها المؤثرة.
فَهِم الحلفاء والأعداء هذا الأمر، أو بالأحرى كانوا يعرفونه أساساً، فقاموا بإعداد الخطط والموازنات، وهيؤوا سبل التنفيذ وفعلوا ما يعتقدونه الصواب، وهو استغلال مساحة من فضاء البث والاستهلاك التلفزيوني وفضاء الإنترنت.
قامت روسيا بإعداد منظومة كاملة الإمكانات للتأثير الإعلامي، وبلغات شتى، وقامت الصين بتهيئة منظومتها هي الأخرى بأهداف محددة وواضحة، والشيء ذاته وإن بحرفية أقل قامت به إيران، فمولت أدوات بعيدة بالمظهر عنها، ولكنها تعتمد أبجديتها السياسية إقليمياً ودولياً.
حاولت دول إقليمية صغيرة أن تقوم بالأمر ذاته، وما زال بعضها يحاول، فالأردن ومصر، ودول الخليج عملت على هذا القطاع، وكان النجاح متفاوتاً، ولكن لا نجاح يتحقق من دون المحاولة أساساً.
ولكيلا ننكر على أنفسنا، ثمة جهود بذلت لدينا في البلد، سواءً على مستوى التخطيط، أم على مستوى التنفيذ، ولكن كل تلك الجهود تصيبها في النهاية سهام التشكيك، بفعاليتها ومهنيتها.
الأسباب معروفة، ومناقشتها صارت مستفيضة، ولن تحدث ثورة في هذا القطاع، وذكرها لن يغير شيئاً.
رغم ذلك، وتجاوزاً لليأس الذي يصيب الأمل من هذا القطاع، من الصعب إنكار الاشمئزاز الذي تعاطت به منظومات الغرب الإعلامية، ومن خلفه محركوها من السياسيين والناشطين، مع مأساة السويداء، التي وصلت حصيلة شهدائها إلى 250 شخصا، في هجوم مستعر لـ «داعش» الذي يفترض أنه العدو الأول للعالم، على الأقل وفق البروباغندا الإعلامية للغرب.
هذا الرقم الذي لا يحرك ساكناً، في هذه المنظومة، كان كفيلاً ببدء حرب عالمية ثالثة، لو جرى في مكان آخر، يمثل نقطة من نقاط لا يمكن إحصاؤها للمصالح الغربية في العالم.
هذا كله ليس له علاقة بالإعلام، فهو في جوهره، مرتبط بنوعية الضحية. بجنسيته، بدينه، وحتى بملامح وجهه ولون بشرته.
وللمفارقة الضجة الضرورية والمستحقة التي غابت عن هجوم السويداء، انتشرت ضوضاؤها مع إجلاء بعض أعضاء منظمة «الخوذ البيضاء»، إلى الأردن، ولكن مع بعض الانتقائية، فعمدت بعض وسائل الإعلام التي تروج لكونهم «ملائكة من خارج هذه الأرض»، لإخفاء الحلقة الرئيسية في مسيرتهم وهي الممر الإسرائيلي لنجاتهم، نحو «مقرات القيادة» في أوروبا والغرب الأقصى.
لكن بروباغندا «الخوذ البيضاء» نجحت في الغرب، والتشكيك في مدى تأثيرها لا ينتقص من هذا النجاح. النموذج صُنِعَ بحرفية وفقاً لمعايير سينمائية، تجذب المتابعين، ولو لم يكونوا من هواة السينما والمؤثرات البصرية.
وربما يأتي يوم، نعرف فعلياً، كيف نشأت هذه المنظمة، وكيف جرى إعدادها وتدريبها، وكيف استفادت من مواهب، وتقنيات، ومؤثرات الإعلام الغربي، ومن دون تجاهل طبعاً أن مساحات هذا الإعلام كانت مفتوحة لهم دوماً.
مجددا بالعودة للإعلام، وقع فينا الإحباط من بعض نجاحات الخصوم والأعداء، وأصابنا الغيظ من بعض إنجازات الإعلام الحليف، بينما نحن لا نزال في دائرة النقاش، حول أداء إعلامنا وقدراته والمواهب الموجودة أو المهاجرة.
شخصيا أتساءل متى يتوقف التنظير، ويبدأ العمل؟
وبدء العمل يكون بمنح التراخيص الإعلامية الجديدة أولاً.