ثقافة وفن

«المسرح إذا روى» تكاتُفُ المسرح والإذاعة لخلق قوةِ الثقافة

| أحمد محمد السح

نسمع دائماً صرخات المسرحيين السوريين التي تعرض إشكاليات المسرح ومآلاته، وبالمقابل نجد دائماً من يبذلون جهودهم في سبيل المسرح لأنهم مقتنعون دائماً أنه أبو الفنون. المسرح في سورية مثل الأدب والثقافة ذو شجون، ولكنه يبدو الأكثر شجناً، ونجد أن الاعتكاف عن الكتابة والتأليف المسرحي بدا واضحاً في نشر المسرح المكتوب، فقد صار نادراً بين دور النشر من ينشر مسرحيةً مكتوبةً لموهبة جديدة والأندر أن تجد مسرحاً معروضاً من نصٍ لكاتبٍ شاب، لكن كلمة الحق تقال إن السوريين لا يتوقفون عن العمل والاجتهاد والمحاولة التي ينتج منها الإبداع دائماً وهذا ملحوظ في تجربة المسرح السوري اليوم وسابقاً، وعلى الجانب الآخر فإن الدراما الإذاعية صارت اليوم تعاني نقص الاهتمام، فلولا القطاع العام الوحيد المنتج لها في سورية في دائرة التمثيليات لاندثر هذا الفن الجميل، فقد اعتكف القطاع الخاص عن الاستثمار في هذا المجال الإبداعي الذي يعمل فيه مجموعة من الفنانين السوريين الذين يجتهدون في وضع أصواتهم على أعمال إذاعية تنتج بشكل يومي في ذاك الإستديو الرائع، غير منتظرين التصفيق أو بهرجات الشهرة التي يعرفها أكثرهم، ويتجاهلونها لأنهم أهل فن لا أهل استعراض، التجربة التي لفتت الانتباه عبر إذاعة دمشق قبل فترة كانت فكرة البرنامج الإذاعي «المسرح إذا روى» هذه الفكرة التي يتكاتف فيها عشاق المسرح والإذاعة وهم من الضفة ذاتها لا من ضفتين متقابلتين لتدعيم الثقافة لدى المستمع بتقديم نصوص مسرحية على هيئة مسلسل تلفزيوني، فكل حلقة تعرض مسرحية كاملة. قد يبدو هذا عادياً لأن كثيراً من النصوص في الدراما الإذاعية، هي في الأصل نصوص مسرحية، لكن الخطورة التي يجتهد عليها صناع البرنامج تكمن في عرض المسرحية كما كتبت عبر إعداد إذاعي خاص يحافظ على الأداء المسرحي، مستخدمين فكرة بسيطة تقوم على وجود مشاهدين هما رجل وزوجته وهما الفنانان «علي صطوف ورنا زرقة» يقومان بالتعليق على المسرحية في بدايتها مستعرضين شيئاً من السيرة الذاتية للكاتب، أو بعض مزاياه الإبداعية عبر حالة حوارية بعيدة عن المباشرة المملة، فهذه أحاديث تدور بين أي اثنين في طريقهما لحضور عمل مسرحي، وقد يشيران إلى فكرة المسرحية بشكل لا يفقدها فكرتها وجوهرها وشغف المستمع للاستماع إليها، كما يتم ذكر العبارة التي تقالُ مسجلةً في المسارح وقت افتتاح العرض حول إغلاق الهواتف النقالة والامتناع عن التصوير أثناء العرض، في إشارة لبدء العرض المسرحي.
يتجاوز معد الحلقة الإذاعية مسألة نقل الجهد السينوغرافي عبر الصوت في حوار بين الشخصيتين حيث يشير أبطال العمل إلى ما يشاهده على الخشبة من ديكور وأشكال بعض الشخصيات؛ مثلما يشير الكاتب المسرحي في ترويسة كل مشهد إلى مكان حدوث المشهد ويوصّف بعض شخصياته ثم يبدأ العرض، الذي يكون بالفصحى أو العامية، مجتهدين على تحويل عمل مسرحي بكل صرخاته وانفعالاته عبر الإذاعة ليدمج الممثلون جهد الإذاعة وجهد المسرح معاً وهذا ما يعرف أهل الاختصاص أنه ليس بالأمر البسيط، إخراجاً وتمثيلاً، بل إنها من الأفكار الشجاعة التي بدأت فيها دائرة التمثيليات، من أجل دعم المسرح السوري أولاً وتقديم الثقافة الحقيقية عبر الإذاعة لا ملء البث الهوائي فقط، وهو جهد يحمله مخرجاً منفذاً «فراس محلى» وتخرجه إذاعياً الفنانة «ثراء دبسي» ويقوم بأدائه مجموعة من الممثلين السوريين العاشقين للإذاعة وفي برنامج كهذا يقتضي الأمر أن يكونوا عشاق مسرح، ويتجاوز البرنامج عقدة النص الأجنبي المترجم الذي درج إخراجه عبر خشبات المسرح السوري لفترة ليست بالقصيرة، لكن البرنامج يبدأ مشواره – الذي نأمل أن يكون طويلاً – مع المسرح السوري لرواد المسرح السوري كسعد اللـه ونوس، وممدوح عدوان، ووليد إخلاصي، ورفيق الصبان، وغيرهم كثيرون فهم دائماً ما يبحثون عن نصوص مسرحية يستندون إليها، في برنامجهم سواء نفذت على الخشبة سابقاً أم لم تنفذ، وهذا يشكل رافداً ثقافياً جديداً للمهتم في الاطلاع على نصوص مسرحية لم يحصل عليها المستمع مكتوبة ولم تعرض على الخشبة، كما تضع المخرجة ثراء دبسي على عاتقها فكرة الانتقال إلى المسرح العربي في مرحلة لاحقة وصولاً إلى المسرح العالمي، لكنها تجد أن الوفاء ولو عبر الإذاعة لزملاء جيلها من مبدعين مسرحيين جعلوا للمسرح السوري بصمته وعبّدوا طريقه الوعرة وفتحوا المجال أمام الأصوات المسرحية التي استمرت في تقديم النصوص المسرحية، يعدّ خطوة لا بد من الوقوف عندها في تقديم الصحيح من الفن والثقافة للإنسان السوري الذي هو الغاية لكل فنان أصيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن