من دفتر الوطن

حلو وكذاب!

| عصام داري

يغريني موضوع الكذب والكذابين بأن امتشق قلمي وأدون كلمات وأقاصيص وحكماً عن الكذب الذي يعتبره بعضهم «شطارة» وأسلوباً ينقذهم من المحاسبة.
وأرى أن الكذب والفساد توءمان لا ينفصلان، فالفاسد يكذب ليغطي على فساده، والمذنب يكذب لنفي ذنبه، والكذب في نظري هو أسوأ الخصال الوضيعة في الإنسان.
فحين ينتفي الكذب تقل الأخطاء والأغلاط والذنوب، فكيف للصادق أن يبرر إثماً اقترفه أمام الناس، لذا سيفكر ألف مرة قبل أن «يفبرك» الكذب.
والكذب ليس حكراً على فئة من الناس أو شعب أو أمة، فحتى أبناء الأنبياء يكذبون ولنا في أبناء يعقوب عبرة عندما كذبوا على والدهم، النبي، وقالوا له: إن أخاهم يوسف أكله الذئب، على حين ألقوه في البئر للتخلص منه.
لعل «فلسفة» باول جوزف غوبلز، وزير الدعاية في عهد أدولف هتلر هي الأكثر شهرة حتى يومنا هذا، وأساس هذه الفلسفة يقوم على أساس هذه المقولة: «اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس»!
لكن المضحك أكثر أن هناك من يكذب ويكذب حتى يصدق نفسه، وتحضرني هنا شخصية الجنرال في رواية «الأبله» للكاتب الروسي الكبير دوستويفسكي الذي لا يكتفي بالكذب، بل يتبنى قصص الآخرين ويدعي أنها حدثت معه شخصياً.
وصادف أن هذا الجنرال كان موجوداً في أحد الصالونات الراقية التي عرف بها مجتمع روسيا القيصرية، فروى أحد الحضور حادثة جرت معه عندما كان يركب القطار وكان هناك سيدة تجلس قربه ومعها كلب «شقي» صار يقفز على هذا الراكب، فطلب من صاحبتها المرة تلو الأخرى أن تبعد كلبها عنه من دون جدوى، فما كان منه إلا أن أمسك الكلب وألقاه من نافذة القطار وهو يسير بسرعة كبيرة.
بعد دقائق معدودات طلب الجنرال من الحضور الإنصات لأنه سيروي حادثة جرت معه، وعاد وسرد رواية القطار والسيدة والكلب وكأنه هو الذي كان في القطار، دهش الجميع، ونبهه أحدهم إلى أن هذه الحادثة جرت مع شخص آخر وأنه رواها قبل لحظات، فنظر الجنرال للجميع وقال متظاهراً بالدهشة: هل يمكن حدوث الشيء نفسه مرتين مع شخصين مختلفين؟
المهم أنه يكذب ولا يعترف بكذبه، بل يبرر كذبه بكذب أكبر تماماً كما يحدث في مجتمعنا خاصة في هذه الأيام التي صارت تربة خصبة لنمو الأكاذيب.
وما دمنا في الكذب والكذابين، نتذكر العديد من الأغاني عن الكذب ومنها «لا تكذبي» التي غناها محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة، كلمات كامل الشناوي وألحان عبد الوهاب وقصتها معروفة، ولها علاقة بالخيانة، أما عندما ندلل المحبوب الكاذب فيقول عبد الحليم: «حلو وكداب»، ويقول وديع الصافي: «حلوة وكذابة» وفي هذه الحالة فقط يصبح الكذب مغفوراً ومحبوباً ومحبباً.
وبما أنني عبر حياتي الطويلة عانيت وعاينت أكاذيب لا تخطر على بال، وبما أن لي تجربة لا بأس فيها في الكتابة المسرحية، فقد رأيت أن أكتب مسلسلاً تلفزيونياً من ثلاثين حلقة على الأقل وأبحث عن منتج ومخرج، وطبعاً عن ممثلين، وسأقترح أسماء بعض الممثلين الذين يستطيعون تقمص الشخصية ببراعة أكثر من جنرال دوستويفسكي!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن