تاريخ مملكة إبلا وآثارها…دولة منظمة تشكل سبقاً في التمدن والاستقرار البشري
وائل العدس :
يرصد كتاب «تاريخ مملكة إبلا وآثارها» في مئتي صفحة مراحل تاريخ إبلا منذ البدايات الأولى حتى الزوال، معتمداً على المحفوظات الملكية الإبلوية وعلى الآثار المختلفة المكتشفة في موقع تل مرديخ التي كشفت عنها بعثة التنقيب الأثرية الإيطالية في جامعة روما التي بدأت بالحفريات في الموقع في مواسم متتالية منذ العام 1964 ولم تنته بعد من الكشف عن كل آثار الموقع.
واعتمد عيد مرعي في كتابه الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب على معظم الدراسات التي صدرت عن تاريخ إبلا وآثارها بلغات أجنبية متعددة، إنكليزية وفرنسية وألمانية وإيطالية، كتبها كبار المختصين بتاريخ الشرق القديم ولغاته، في حين كان دافعه لإصدار كتابه قلة الدراسات العربية، واعتماد بعضها على هواة لا علاقة لهم بتاريخ سورية القديم.
ويتألف الكتاب من ثمانية فصول تتحدث بمجملها عن أهمية تاريخ سورية القديم، وموقع إبلا وقصة اكتشافها، وعن الحياتين السياسية والاقتصادية فيها، ولغة إبلا وثقافتها، والمعتقدات الدينية، وعصر ازدهار إبلا الثاني ونهايتها، إضافة إلى الدراسات الإبلوية، وإليكم أهم ما جاء في الكتاب:
القوة السياسية
تقع إبلا في موقع تل مرديخ الحالي الواقع في منطقة سهلية بالقرب من بلدة سراقب في محافظة إدلب، على بعد خمسة وخمسين كلم جنوب غربي حلب، بالقرب من طريق المواصلات الرئيس الواصل بين حلب وحماة.
وقد لفت هذا التل انتباه المختصين بالآثار، سواء من حيث حجمه الكبير أو بسبب العثور على سطحه على كسرات من الفخار وعلى حوض حجري قديم من البازلت تاريخه ما بين 1900– 1850 ق. م، نحتت على سطحه الخارجي أشكال نافرة لأشخاص وأسود ومشاهد دينية وأسطورية وحربية.
كان يحكم مملكة إبلا حاكم تطلق عليه النصوص غالباً اللقب السوري «إن» الذي يعني سيداً، وكان النظام الملكي السائد فيها شأنها في ذلك شأن ممالك الشرق القديم الأخرى، وغالباً ما كان الابن يرث أباه في سدة الحكم.
وارتبطت إبلا بعلاقات سياسية وعسكرية متفاوتة الدرجة مع الممالك والبلدات والمدن المعاصرة لها، وتوجد نسخة من رسالة يفترض أن ملك إبلا أرسلها إلى مملكة خمازي تعطي فكرة عن العلاقات السياسية التي كانت تربط إبلا مع ممالك العصر الأخرى.
ويبدو أن إبلا ارتبطت بعلاقات سياسية وعسكرية مضطربة مع ماري عاصمة منطقة الفرات الأوسط التي لعبت دوراً مهماً طيلة تاريخها بين بلاد الرافدين وسورية.
وكانت إبلا دولة منظمة عرف سكانها وطبقوا تقاليد عريقة في السياسة وإدارة شؤون الحكم، في دلالة على سبق كبير في ميدان التمدن والاستقرار البشري ونشوء الدولة التاريخي المهم الذي أدته سورية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، واستمرت في تأديته خلال الألفين الثاني والأول قبل الميلاد وفي كل العصور التالية.
واللافت إلى الانتباه عدم وجود نصوص تتحدث عن حملات عسكرية على المناطق المجاورة، أو معارك مظفرة خاضها ملوك إبلا وقادتها العسكريون، لكنها كانت قوة سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى.
الجانب السياسي
كانت إبلا مملكة زراعية اعتمد اقتصادها على استغلال التربة وتربية الحيوانات مستفيداً من التربة الخصبة والمراعي الواسعة، كما اهتم الإبلويون بالصناعة والحرف المختلفة، وكان للتجارة دور بارز في الحياة الاقتصادية.
شكلت سهول إبلا الخصبة المحصورة بين الجبال الساحلية والهضاب المرتفعة في الغرب ومنطقة البادية السهلية في الشرق بيئة مناسبة للزراعة البعلية، إذ إنها تتلقى كميات كبيرة من الأمطار تتراوح بين 500 ملم في الغرب وبالقرب من إدلب، و250 ملم في الشرق في مرتفعات أبو الضهور، وقد سمح سقوط الأمطار بهذه المعدلات بإقامة زراعة الحبوب.
كما استفاد الإبلويون من مياه نهر قويق في ممارسة نوع من الزراعة المروية، وكانت المناطق الغربية القريبة من الهضاب والجبال مناسبة لزراعة الزيتون والعنب والأشجار المثمرة بشكل عام.
من ناحية ثانية، كونت الصناعة والحرف ركناً أساسياً من أركان غنى المملكة وازدهارها، وتعد صناعة الأنسجة من أهم الصناعات التي كانت تعتمد على الأصواف المنتجة محلياً، وعلى الكتان الذي كان يزرع بمساحات واسعة.
وبما يتعلق بالواردات فتأتي في مقدمتها المعادن ولاسيما الثمينة كالفضة والذهب، ثم تأتي المعادن الأخرى كالقصدير والنحاس.
وقد امتدت العلاقات التجارية من بلاد الرافدين في الشرق إلى وادي النيل في الجنوب الغربي وشملت الكثير من المدن المشهورة.
الثقافة العريقة
كشفت المحفوظات الملكية الإبلوية عن حضارة مزدهرة كانت قائمة في شمالي سورية في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، ولها لغتها الخاصة، وتقاليدها الثقافية العريقة، وعلاقاتها الحضارية مع الحضارات الأخرى التي عاصرتها في المناطق المجاورة لسورية.
وارتبطت بعلاقات ثقافية متينة مع مدن جنوبي بلاد الرافدين برزت بشكل واضح في تبني نظام الكتابة المسمارية الذي اخترع وساد في تلك المنطقة.