في مديح الفاسدين؟
| عبد الفتاح العوض
ذات مرة كتبت هنا أننا مجتمع نشتم الفساد، ونحترم الفاسدين… ورغم أن الكل يتحدث عن حتمية مكافحة الفساد إلا الفاسدين يعيشون بدلال من قبل الأكثرية.
لكن اللهجة الصارمة واللغة القوية التي تضمنهما الخطاب الرسمي مؤخراً تعطيان انطباعاً بأننا أمام مرحلة جديدة في مكافحة الفساد.
ولا يبدو لي أن هذه اللغة مع كل مفرداتها هي نتاج حكومي فقط… بل يتبدى لي الأمر في أنه خطاب عالي الهمة والمستوى.
من هنا نحن أمام بوابة تفاؤل بأن تكون مكافحة الفساد هذه المرة «جدية» وليست مجرد كلام يذهب حتى قبل أن يذهب الفاسدون!
وهنا نحتاج إلى وقفات صريحة لإثبات الجدية في مكافحة الفساد.
أولى هذه الوقفات أن ترى أسماء كبيرة فعلاً قد تمت محاسبتها وأن يتم الإعلان عن هذه الأسماء، فالذين يجب أن يخجلوا هم الفاسدون وليس من ينشر أسماءهم علماً أن نشر الأسماء هو رادع قوي جداً في منع الفساد وهو كذلك عقاب فعال بتأثيراته كلها.
وحتى الآن لم يتم الحديث بشكل رسمي عن مسؤولين في مواقع عليا قد تمت محاسبتهم. ورغم أن وزراء يجري التحقيق معهم إلا أنه لم يعلن عن ذلك بشكل رسمي. ولا يوجد ما يبرر ذلك.
ولعل مكافحة الفساد تبدو على «صغار» الفاسدين، ورغم أهمية ذلك لكن الفساد الأكبر يأتي من كبار الفاسدين وهؤلاء يستطيعون أن يتخلصوا من «العقاب» بشكل فاسد أيضاً.
في هذه النقطة نحتاج إثبات أنه «لا أحد فوق القانون» بشكل صريح وليس مجرد شعارات.
ويرتبط بذلك بأن يتم الإعلان عن أسباب إعفاء المسؤولين، فخلال الفترة الأخيرة تم إعفاء عدد من المسؤولين في وزارات مختلفة لكن لا أحد تم الإعلان عن سبب إعفائه.
وإذا كان الأمر يتعلق بالفساد فليتم إضافة جملة قصيرة «إعفاء بسبب الفساد» وإن لم يكن ذلك يتم إضافة إلى جملة لأسباب إدارية أو للسن التقاعدي لكن الإعلان التصريح عن السبب يعتبر أمراً ضرورياً.
أنتقل هنا إلى شركاء الفساد من رجال الأعمال أو من يجب أن تسميهم «المفسدين».. في أغلب الأوقات تمت محاسبة المسؤول ولا تتم محاسبة رجال الأعمال الذين شاركوهم الفساد واستفادوا منه، وخلال الفترة الفائتة جرت تسويات مع رجال أعمال دفعوا أموالاً لكنهم لم يحاسبوا.. كما لم يتم منع التعامل معهم.
وعلينا أن نكون أكثر وضوحاً في حقيقة التعامل مع رجال الأعمال وأي نوع نريد، وخاصة ما يتم تناوله من أحاديث عن أثرياء الحرب و«محدثي النعمة»!
الذين لا شك أنهم الآن في مرحلة الإعداد ليكونوا رجال أعمال الغد!
لا شك أن هناك كثيراً من القضايا المتعلقة بالفساد ولا يمكن أن نتحدث عنها جميعها هنا.
كل ما نحتاجه الآن هو إثبات الجدية في مكافحة الفساد، وألا يكون الخطاب القوي عن الفساد مجرد أحاديث يتم نسيانها كما العادة.
أخيراً لا يمكن محاربة الفاسدين بفاسدين، ولا يمكن تجاهل السؤال السحري لكشف الفساد.. من أين لك هذا؟
أقوال:
إننا نستنشق الفساد مع الهواء.
أولئك الذين يحاربون الفساد يجب عليهم تنظيف أنفسهم.
الفساد يهبط من أعلى إلى أدنى، والإصلاح يصعد من أدنى إلى أعلى.