«صرخة روح» في وجه المجتمع تعلو وتستمر ولكن!!…جنس وأمراض مجتمع شاذة تتحول إلى مسلسلات واقعية!!
إسماعيل مروة :
للموسم الثالث استمر «صرخة روح» ولخصوصية الشكل والطرح لم يأخذ شكل الأجزاء التقليدية، واليوم دارت عجلة الموسم الرابع لهذا العمل، وربما لا يتوقف الأمر عند الموسم الرمضاني، وربما يزداد الطلب، فيصبح العمل والعرض على مدار العام، وربما يزيد أكثر، فيصبح العرض مباشراً.. حين جاوز العمل حداً- من الناحية الفنية والفكرية- دافع صناع العمل عن عملهم بكل الطرق، ومنها أنهم نعتوا أي منتقد بمن يدفن رأسه في الرمل، واستخدموا كل الوسائل إلا السبب الاقتصادي التجاري، وأزعم أنه السبب الأساسي لإنجاز هذه السلسلة التي ضمت نجوماً كباراً وأسماء لامعة، والذين هاجموا العمل هاجموه وهم يتابعون ويحبون، لكنهم يريدونه عرضاً خاصاً لهم، ويرونه إساءة للمجتمع السوري- وهذا حق- لكنهم يسيئون أكثر من ذلك لهذا المجتمع!
للروح صرختها
الصرخة والاحتجاج وما شابه مواجهة مباشرة للمجتمع، فما بالنا إن كان هذا الاحتجاج من الروح وما انطوت عليه، بدأت السلسلة نافرة مواجهة، لكنها كانت محكومة بالتجريب، وبانتظار ردود أفعال المتلقين، وبقدر ما كانت ردود الفعل عنيفة، كان عناد الصناع أكبر، فاستمر العمل على انجاز السلسلة، بل إنها تنجز قبل أي عمل آخر، وتجد عدداً من المخرجين والكتاب الذين يغطون المراد وزيادة، وأنا كنت واحداً ممن انتقدوا هذا العمل، ولكن نقدي يومها انصبّ على أمرين:
– الإخلاص لموضوع الخيانة والجنس.
– التركيز على تناول الجنس المحرم.
واليوم وبعد أن دارت عجلات العمل في الجزء الرابع من السلسلة لا أزال أقف عند الموضوع من هذين الرأيين، الجنس ليس وحيداً في موضوعه، وموضوعة الجنس المحرم ليست كافية، مع أن المصادفات قضت أن نرى في الصرخة ما هو في تشيللو، لكن من منظور آخر، ما ساعد على فهم آلية الصناعة، فهم يقومون بسلخ أو اقتباس أو سرقة نص أو فيلم أجنبي، ويفصلونه على مقاس الجنس في بلداننا!!
الجنس موضوع واحد
اللافت في سلسلة «صرخة روح» هو اعتماد الجنس موضوعة واحدة في العمل، فمع أن عدداً من الموضوعات ترتكز إلى قضايا نفسية، أو إلى موضوعات مأخوذة عن الفن العالمي والرواية العالمية، والدراما غير العربية، إلا أن صناع العمل تأليفاً وإنتاجاً وإخراجاً صبّوا اهتمامهم على الجانب الجنسي الشهواني في العمل! وهذا الجانب موجود حتماً، وذلك رداً على سؤال صديق عزيز عندما سأل: أليس في الواقع من هذه القصص وزيادة؟! نعم هذه القصص موجودة، ولكن ضمن سياق مجتمعي متكامل، وما ارتكبه صناع العمل هو أنهم أخذوا هذا الجزء الموجود أصلاً، وإن شئت بكثرة- ومن ثم التركيز عليه تركيزاً كبيراً كما لو أنه الأمر الوحيد الذي يحرك عجلة الحياة والمجتمع، وفي ذلك تأويل خطير، وتفسير خاطئ لمجتمع متكامل أقول هذا لأن العمل مستمر، لم يقدم قصصاً وانتهى الأمر، بل إنه لا يزال يعمل، والعجلة تدور لإنجاز الجزء الرابع من هذه السلسلة، لذلك أتمنى على صناعه الذين يملكون الحرية التامة بإنجازه أن يدرسوا القضايا المطروحة أكثر، وأن يعالجوا الموضوعات النفسية والمجتمعية المرتبطة بالجانب الجنسي بشكل أكثر عمقاً، حتى لا يبدو العمل حتى بالنسبة لمتابعيه ومحبيه ومؤيديه مجرد فرجة لحكاية ترتبط بالخيانة والعلاقات المشبوهة!
مفارقات لا تغفل
كنا في جلسة مع الأصدقاء ونحن نتابع شيئاً من هذا العمل، وعندما دار النقاش فيما بعد، والذي أخذ جانباً ساخراً، كانت الدلالات عميقة، فهذا سألته زوجته، وتلك غمز زوجها منها، وثالث، وهو مدمن على هذه العلاقات سأل زوجته إن كانت كذلك، وعندما انتهى العمل قال لها: هذا مصير الخائنة! وهو لا يقل عمّا في العمل، وقد رددت هذا إلى أن العمل أخذ موضوعته بشكل مباشر، ما يؤثر في الرؤية الاجتماعية، ويترك أثره واضحاً، وخاصة أن من يقوم بأدوار هذا العمل من النجوم المقنعين، والمؤثرين والقادرين على توصيل الرسائل بطريقة مذهلة! وهذا وإن كان بعضهم يراه في مصلحة العمل، وهو حقيقة، إلا أنه يحمل مدلولات أخرى خطيرة للغاية، ويكفي تبادل النظرات بين الموجودين حول ما دار في العمل.
الخطورة تكمن في أننا نبحث عن مجتمع منفتح واثق، نسأل عن آلية للتحرر من القيود والعادات، نسأل عن امرأة حرة ورجل حر، ولكن مثل هذا العمل يؤدي نتيجة عكسية، فنحن أمام مشهدية قد تؤدي إلى تراجع الثقة، وإلى خلق الخلافات، وإلى الارتداد عكساً، وإلى تقوقع قطبي الحياة رجلاً وامرأة، وفي ظل غياب دراسات الأثر والإحصائيات قد لا نقدر ما يمكن أن يفعله مجرد الشك بالشريك من كلا الطرفين، وبالتالي يؤدي إلى الانغلاق والتقوقع!
وأرى أن مثل هذه الموضوعات يجب ألا تبقى بعيدة عن الرصد والمتابعة والتمثيل، ولكن أن تكون محوراً ضمن محاور والرسائل تصل ضمن منظومة لا تقوم على الجنس والعلاقات المحرمة وحدهما.
نماذج لا تقل ولكن
كان صرخة روح يؤدي دوره، يعرض ويتابعه المتابعون، وفي الوقت نفسه عرضت أعمال أخرى، كانت هذه الأعمال مؤثرة، وخاطبت المجتمع والسياسة، ولكنها لم تغفل عن الجوانب التي تعرض لها «صرخة روح» فرأينا المساكنة بسبب الفقر، لتلك الصبية التي تفككت أسرتها بالطلاق، ووجدت حاجتها لدى والد صديقتها، ورأينا المساكنة الإرادية عند الشباب عندما اختارت الفتاة بملء إرادتها أن تحزم حقيبتها لتعيش مع صديقها وصديقتها، وسمعنا حديثاً مباشراً عن العلاقة والعلاقة الكاملة، ليقرر بعدها أحدهما المتابعة مع صديقه أو التوقف!
ورأينا الظروف الغامضة والعلاقات المتعددة والمشبوهة المرتبطة بالمصالح، وهكذا.. وفي النماذج المذكورة تحركت المياه، طرحت الأسئلة، وتلقى أحد أصدقائي أسئلة مباشرة من أسرته فيما إذا كان يقوم بمثل هذه العلاقات، بل وسببت فتوراً أسرياً لدى فئة من الناس داخل الأسر، لأن الظن ذهب إلى أنه يمكن لهذا أن يفعل، ولتلك أن تفعل، وفي أحد الأعمال المهمة، نسي المشاهد أو تناسى محور الحكاية ليصب اهتمامه على الحكاية الفرعية، أو الخط الدرامي الموازي المتعلق بالعلاقات غير الرسمية، وهذا يؤكد وجهة النظر التي تتناول العمل الدرامي كتلة متكاملة يمكن أن يحمل الرسائل المتعددة، ومهما كانت النتائج، فإنها في العمل الذي تمثل هذه العلاقات خطاً، يمكن أن تكون وازعاً ورادعاً للانجراف، وخاصة للفتيات اللواتي أصبحن أكثر قدرة على الرؤية العميقة للمشهد الذي يعرض، ويمكن لـ«صرخة روح» أن يؤدي الغرض ذاته دون زرع الشكوك في نفوس المتلقين، حتى من الذين يملكون التحرر أو يدّعونه!
الواقع والروح
رأينا قصصاً لها علاقة بالدراما العالمية والسينما، ورأينا قصصاً نبتت في مجتمعاتنا، ولكن أليس بإمكان صناع العمل أن يسلطوا الضوء على أسباب هذه القصص ومعالجتها؟ وخاصة ضمن الظروف التي تعيشها بلداننا، فهل تحوّل همّ المجتمع إلى الجنس؟ وهل صار بمقدور كل منا أن يصلب الآخر وأن يحمله وزر الخطايا دون النظر إلى الحكاية وأبعادها؟
الجنس محرك أساسي، ومن غير المنطقي أن يتم إغفاله في أي عمل درامي، وعند إغفاله نكون حقاً كمن يترك المرض مستشرياً، لكن على الدراما أن تنظر إليه وتعالجه للوصول إلى الأرقى، أو إلى معالجته، لا أن تعطي صورة محببة لما هو مرفوض أصلاً! بل إن بعض القصص تحاول أن توجد الأعذار للذين تورطوا في مثل هذه الأعمال! ومهما كان من أمر الصورة في تشيللو أو الحكاية التي أخذت عنه، فنحن أمام تجارة الرقيق الأبيض بقفازات ناعمة، وفي مجتمع مخملي، ولا يغير في الموضوع أن يكون هؤلاء من المحبوبين الذين نسوّغ لهم ما فعلوا! ولا يستحق منا هذا الغني المتسلط الذي يدفع الأموال الطائلة لامتلاك جسد أي نوع من الاهتمام أو التعاطف أو التأمل، ويمكن أن تتم معالجته بما يجعله غير قابل للتكرار، وتتم إدانة الشاري والمشترى في الوقت نفسه، ويمكن أن ندين الظرف الاجتماعي أو ما شابه.
حتى في قضايا الإعلام ورسائله تتم الإشارة إلى الدراما السورية وتأثيرها، ومن الغباء ألا نعرف أثر الدراما في المجتمع، ونتيجة لهذا الأثر الملموس علينا أن نرتقي برسائلنا، وأن نقدمها ضمن النسيج الاجتماعي بكل جرأة وشفافية… لا يجوز إهمال أي جزء من النسيج بداعي العيب، ولكن لا يجوز في الوقت نفسه أن نفعل العكس بداعي أنه ما من أمر لا تتم مناقشته، تتم ولكن ضمن النسيج، وذلك بعيداً عن الشعارات التي تقول: إن هذه الأعمال تسيء إلى المجتمع السوري، فطالما أقررنا بوجودها لا يوجد إساءة، ولكن الإساءة في طريقة التوجيه والإرسال.
في ندوة تلفزيونية مع أحد كتاب مثل هذه الأعمال دافع بضراوة عن ضرورة التشريح وعدم إغماض العين عن وجود مثل هذه القضايا، وللمصادفة، فإن هذا الكاتب أنجز أعمالاً لدول عربية أخرى، أي من الأعمال التي تتناول تلك البيئات، وبلهجاتها، ولأن كاتبنا كاتب بيئة بامتياز وقع عليه الاختيار ليكتب لهم، فسألته يومها: كتبت عن البيئات العربية، فهل كتبت حرفاً واحداً مما كتبته في أعمالك التشريحية لعهر المجتمع؟ فقال: لا، ليس بالإمكان فنحن نتحدث عن مجتمع آخر!
اللهجة والمكان والممثل علامات بيئة، والأمر ليس كما في الإخوة وغيره غير معروف المعالم، ومن حق المجتمع أن يطلب المساواة بالمجتمعات الأخرى التي يكتب لها كتابنا، ويخرج مخرجونا، وينتج منتجونا، وخاصة أن المجتمعات برمتها ليست بريئة من هذه الموضوعات.
لا أقول في الأمر إساءة مجتمعية إلا عندما أجد مجتمعنا مخصوصاً بالتشريح، والمجتمعات الأخرى تبدو طاهرة بيضاء، وبما أن الدراما العربية صارت مشتركة، هل يستطيع أصحاب (صرخة روح) أو غيرهم أن يضعوا صوراً للمجتمعات الأخرى؟ هل يستطيعون تشخيص السائح الذي يبحث في الكباريهات، وصرخة روح امرأته في مكان آخر؟ لا أظن.