من دفتر الوطن

حق غير قابل للسقوط

| حسن م. يوسف

أثيرت في الحياة الثقافية السورية خلال الأيام القليلة الماضية، قضية تخللها الكثير من الأخذ والرد، والرد المضاد، والتعليق، والتعليق المضاد، لمناسبة قيام قناة (لنا) الفضائية بعرض الجزء الأول من مسلسل «أخوة التراب» الذي أخرجه المبدع الكبير نجدة إسماعيل أنزور وقد حذف اسمي عنه كمؤلف للقصة والسيناريو والحوار، كما تم نقل اسم النجم المتألق أيمن زيدان من طليعة أسماء الممثلين إلى ذيل القائمة! وقد تبين من خلال الاتصال بالقناة أنها تعرض العمل كما جاءها من المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي.
صحيح أن مسلسل «أخوة التراب» فاز بالجائزة الذهبية في مسابقة المسلسلات الدرامية في مهرجان القاهرة الثاني للإذاعة والتلفزيون عام 1996 وحقق نجاحاً جماهيرياً عريضاً في عرضه الأول، إلا أنه ليس المسلسل السوري الوحيد الذي يفوز بالجوائز ويحقق النجاحات، لكنه بحدود علمي، يأتي في طليعة المسلسلات التاريخية السورية التي تحظى بدرجة عالية من اهتمام المشاهدين عند تكرار عرضها، رغم مرور سنوات كثيرة على إنتاجه.
ولن ندرك حجم الهزة التي أحدثها هذا المسلسل إلا إذا علمنا أن النظام التركي قام، من فرط غيظه، بقرصنة عنوانه الذي هو من تأليفي وأنتج مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان «أخوة التراب» يعبر عن وجهة نظر العثمانيين الجدد بالمرحلة نفسها التي تناولها مسلسل «أخوة التراب» السوري!
أصارحكم أنني فوجئت بهذا الكم المدهش من الحب والتعاطف الذي غمرنا به الناس في الصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، نتيجة قيام جماعة (اللهو الخفي) بحذف اسمي عن العمل، ووضع اسم الفنان الكبير أيمن زيدان في ذيل قائمة الممثلين، لذا لا يسعني في هذه المناسبة، إلا أن أعبر عن شكرنا الغامر وتقديرنا الكبير لكل من واسانا وعبر عن دعمه لنا لاستعادة حقوقنا المنتهكة. وأنا هنا أتحدث بصيغة الجمع باسم كل أسرة العمل، كذلك أجد لزاماً عليَّ التنديد بمحاولات بعض المغرضين ممن ركبوا على هذه القضية لتمرير شتائمهم الموجهة، ولا أخفي لومي لمن حاولوا تحويل القضية إلى زوبعة إعلامية.
شيء جيد أن الأستاذ عماد سارة وزير الإعلام أوعز للقائمين على المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في دمشق بإعادة أسماء الكتاب والفنانين المحذوفة عن الأعمال التي ورثتها المؤسسة بحكم قضائي عن مؤسسة الشام المصادرة، وعلى رأس هذه الأعمال مسلسل «أخوة التراب».
شيء جيد أيضاً أن المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في دمشق قد حذفت البيان المتسرع الذي أصدرته بهذه المناسبة، فتمكنت بذلك من حذف كل ما جاء عليه من ردود ومن بينها رد المبدع الكبير أيمن زيدان وردي وردود المؤسسة ذاتها إضافة إلى تعليقات القراء. إلا أن انتهاء القصة عند هذا الحد يجب ألا يمنعنا من توضيح طبيعة حق الملكية الفكرية رداً على من تصوروا أنها تسقط بالتقادم.
تنقسم الحقوق إلى حقوق سياسية وأخرى مدنية، وتنقسم الحقوق المدنية، إلى حقوق عامة وأخرى خاصة، ومن أبرز الحقوق الخاصة، الحقوق اللصيقة بالشخصية. وهي حقوق غير مالية لصيقة بالشخص، وتعد امتداداً ضرورياً لكيانه حيث لا يمكن التصرف بها لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعناصر الشخصية. ويأتي على رأس الحقوق اللصيقة بالشخصية حق الملكية الفكرية، وهو حق مطلق غير قابل للسقوط أو الاكتساب ولا يسقط بالتقادم.
إن جل القوانين السارية في العالم تكفل الحق المعنوي للمبدع كما تنص على أن هذا الحق غير قابل للسقوط، بل إنه من حق الكاتب الذي ينشر مؤلفاته من دون اسم أو تحت اسم مستعار أن يعلن اسمه الحقيقي في أي وقت يشاء مهما طال الزمن.
إنه لمن الإجحاف إغفال أسماء المبدعين السوريين من فنانين وفنيين، وخاصة أن بعضهم فقد حياته أثناء العمل مثل مهندس الديكور الفنان مظهر برشين الذي توفي في نهاية تصوير «أخوة التراب» في حادث سيارة مشؤوم.
أرجو أن يدرك القائمون على صناعة درامانا ذلك، كما أرجو أن يعلموا أنّ قِدم الخطأ لا يحوله إلى صواب!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن