ثقافة وفن

بلدنا.. وصراط الحق..

| إسماعيل مروة

الأنبياء لا تعلمونهم.
والمعلمون لا يدركهم العدّ.
فإن شئت كان حكيماً، وإن شئت كان معلماً، مهما شئت له من صفة تقترب منه أو تبتعد، فإن الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها التقطها، ونحن نستلهم الحكمة، نصل إليها ولا نصوغها، نفهمها، ولكننا لا نقدر على تحديد معالمها، ولعل المختارات والحكم تقدم لنا شيئاً ونحن نبحث عن شيء، بل نبحث عن ذواتنا التي طالها ما طالها من التعفن والقذر في رحلة بحثنا عنها.. اليوم من دون سابق علم، ومن دون أن أقصد، كنت ألوب بحثاً عما يخرج ما في داخلي من براكين لما أرى في سورية العظيمة، ولما يدور على أرضها، وجدت ضالتي التي كنت أبحث عنها وأهرع وراءها.. كانت في كونفوشيوس، الحكيم أو المعلم أو الفيلسوف أو أي شيء، القمة القيمة التي أقرأ من كلامها شذرات، لكنني لا أعلم عنها الكثير.. رأيت القتل والدمار، وسألت ذاتي: من أين جاء هذا الكم من القتل؟ شاهدت الرعاع وهم يستسهلون إطلاق نار، فتملكني العجب من قطعة حديد أقوى من العقل! عاصرت عامل البلدية البسيط الذي أصبح زعيماً ومتمولاً وصاحب موائد!
سبع سنوات من الحرب قلبت الموازين، وصرت ترى من كان لا شيء يملك كل شيء، وصاحب المكانة يجلس في ركن بعيد قصي يلملم ما تبقى له بعد أن سلبه الوضيع كل شيء!
سبع سنوات وأنت ترى الحاقد على وطنه الداعي إلى تدميره واحتلاله وقتل شعبه! سبع سنوات وأنت تتابع إثراء غير مشروع لهذا أو ذاك، وعندما تستغرب يأتيك الجواب: في الحروب ترتفع نسبة الفساد فوق الحد الذي يمكن أن تتخيله!
سبع سنوات والحيتان تتغول، والذي تم اختيارهم لأداء حقوق الناس يسلبونهم حقوقهم، وصار عادياً أن يقول لك أحدهم: هذا المدير أو الوزير لا يعنيه إن بقي أحد أم لم يبقَ!
سبع سنوات تتابع خلالها بعض الناس الذين شاءت الأقدار أن تشهد خمولهم ووضاعتهم قبل الحرب على سورية، وربما أذهب أكثر من ذلك فأقول: تشهد غباءهم وقلة حيلتهم، وربما تكرمت عليهم بنصيحة أو أعطية أو تعليم، وفجأة صار الخامل معروفاً، وصار المقتر الفقير يمد يده إلى جيبه الخلفي لتسقط رزم المال المحلي وغير المحلي أمام ناظريك، وقد تكون حركته مقصودة!
سبع سنوات ومن كان يرجو كسرة خبز صار لا يأكل إلا طلبات من المطاعم الفاخرة، ومن كان يستحي أن يتحدث لقلة علمه صار فهيماً ومحللاً وقاضياً ومشرعاً.. سبع سنوات ونحن نعجز عن الاستيعاب!
بالأمس وجدت بين يدي كتاباً لكونفوشيوس قدمه الصديق سامي أحمد لقراءته، من ترجمة وتعليق الصديق الباحث فراس السواح، وعندما يختار صاحب مغامرة العقل فإن اختياره ذو مغزى، وعندما يعلق، فإنه يعلق على صدرنا درراً، وعلى ظهر كونفوشيوس آلامنا وآمالنا.. كل ما في الكتاب معجب ويعجب، ويكاد المرء القليل العلم مثلي يضع كل قول لكونفوشيوس يريد أن يضعه أمام القراء الكرام، ولكن ليس من حقي أن أفرّغ الكتاب في صحيفتنا، أما ما قرأته من عمق فلم يسمح لي أن أرى النوم أبداً في ذلك اليوم، وكل الأصناف التي تحدثت عنها سابقاً زارتني طيفاً أو مناماً، أو رأيتها حقيقة وحين نهضت إلى طاولتي قرأت قول كونفوشيوس:
«عندما يسود صراط الحق في بلدك فمن العار أن تكون فقيراً ومغموراً وعندما لا يسود صراط الحق في بلدك فمن العار أن تكون غنياً ومرموقاً».
كيف نفهم قول كونفوشيوس هذا؟
ولمَ يكون الأمر في الرخاء والصراط عاراً، ويكون نفسه معكوساً في غير الصراط وفي الحرب؟
وهل نفهم ما أراده هذا المعلم كما يسميه الصينيون؟
إن كان البلد على صراط الحق والرخاء فمن العار ألا يجتهد الإنسان ويبذل طاقته ليصل إلى الغنى والمكانة المرموقة، ففي الصراط على الإنسان أن يبذل قصارى جهده من أجل نفسه، فيصبح صاحب مال، وخدمته لبلده تجعله صاحب مكانة مرموقة.
وفي الحرب وغير الصراط، فإن الوصول إلى المال والمنطقة المرموقة سيكون، وبصورة حتمية على حساب البلد والناس، لذلك فإن المعلم الأول كونفوشيوس يرى الوصول إليه يمثل عاراً ما بعده عار، وخاصة مع انتفاء التنافسية في ظروف ليست على الصراط.
الأنبياء لا نعلمهم.. الله يعلمهم
والمعلمون لا يدركهم العد
ولكن المكتوي يتمكن ببساطة من عد أولئك الذين حققوا الغنى والمكانة المرموقة في الوقت الذي لا يعيش فيه البلد على الصراط!!
وكذلك فإن من يحيا إلى قابل فسيرى كيف يعود الصراط، وكيف تعود المنافسة الحقة.
هل لأنها ليست فلسفتنا لا نعمل بها؟
الانطلاق كان من البلد، والذات التي يخاطبها المعلم ضمن البلد.
والتوصيف للبلد في الصراط الحق، أوليس على الصراط الحق، أما الإنسان الذي في البلد فيرقى بنظر المعلم أو يهبط وفق حال بلده والصراط، وعمله وتفوقه وبروزه ترتبط ارتباطاً كبيراً بالبلد والحال التي هو عليها.
رؤية قديمة لكنها عميقة
نرقبها وسورية في أتون حرب تريد النّيْل منها
لاشك في أن سورية باقية وستبقى
لكننا بحاجة إلى طرح رؤية المعلم حول الغنى والبروز
فهل تستطيع شخصيات ملكت الغنى والظهور في الحرب أن تكون حاملة للبلد إلى الصراط الحق؟
لا أظن ذلك.. ولكن ما يخفيه المعلم وتبرزه الأيام أن البلد قادر في كل لحظة وحين على طرح من ملك العار، لمصلحة البلد الذي يحتاج إلى العمل والعمل وحده.. ليعود إلى الصراط، وليغتني المجتهد بجهده لا بأزمة البلد، وليصبح بارزاً نتيجة جهده وتقدير بلده لهذا الجهد.. وإلا.. لم يكن المعلم على صواب والمعلم على صواب دوماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن