اقتصاد

كي تكون شهادات الإيداع تنافسية

| علي محمود محمد

أخيراً، بدأت السياسة النقدية في سورية تنحو منحى تغطية العجز بالطريقة التي لا تسبب تضخماً، وذلك على غرار ما يقوم به الإصدار النقدي الذي يسبب تضخماً في حال عدم تناسبه مع حجم الناتج المحلي الإجمالي.
الجديد اليوم هو العمل فعلياً بالأداة القديمة الجديدة «شهادات الإيداع» التي وافق مجلس الوزراء على إصدارها بالقطع الأجنبي قائلاً إنها «ذات عوائد تنافسية» بغية استقطاب أموال السوريين في الداخل والخارج وإعادة ضخها في الاقتصاد الوطني، وهنا تستوقفنا نقطتان؛ أولاهما، «نظرياً» أن طرح شهادات الإيداع بالقطع الأجنبي هو طرح مهم حيث من شأنه توفير السيولة النقدية بالقطع الأجنبي واستقطاب رؤوس الأموال الداخلية والخارجية ما ينعكس إدارةً أفضل للسيولة خاصة مع العمل بنظام التسويات الإجمالية السوري (SYGS) وذلك بالتزامن مع الاستقرار الواضح في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار منذ أكثر من سنة ومع الانفراجات الأمنية وعودة أغلبية الجغرافيا السورية لسيطرة الدولة.
أما النقطة الثانية فتخص العوائد التنافسية التي تحدث عنها وزير المالية مأمون حمدان التي قال إنها بحدود 4.25% للإصدار الأولي، وذلك من دون أن يحدد أجل الشهادات التي سيمنح لها هذا العائد، فهنا لا بد من التذكير بواقع الفوائد على ودائع القطع الأجنبي في دول الجوار السوري بغية الإحاطة والحكم على مصطلح «عوائد تنافسية»، فمثلاً نلاحظ أن لبنان يمنح فوائد على الودائع بالدولار أعلى من السعر المعلن عنه على شهادات الإيداع المزمع طرحها حيث إنها في لبنان بحدود 4.67% بحسب مصرف لبنان المركزي وتقول بعض الأوساط إنها تتجاوز في بعض المصارف 6%، بينما يبلغ الحد الأعلى لسعر الفائدة على الدولار في المصارف الأردنية 2.49% وكذلك في تركيا التي تبلغ في حدها الأعلى 3.28%، إلا أن التعويل الأكبر هو على الأموال السورية في لبنان لكونها معطلة عن أي نشاط انتاجي أو صناعي على غرار باقي الدول، ومن ثم فإن كان السعر المعلن من وزير المالية هو كبالون اختبار فيما يخص الإصدار الأولي فهذا شيء جيد على أن يؤخذ بالحسبان سعر الفائدة في الجوار السوري كي تصبح هذه الشهادات ذات عوائد تنافسية كما صدر عن مجلس الوزراء.
من ناحية أخرى، فإن قابلية هذه الشهادات للتداول في سوق دمشق للأوراق المالية سوف تدعم استقرار السيولة المصرفية على المدى المتوسط وتسهم في خلق وعاء استثماري جديد وأدوات جديدة على صعيد إدارة السيولة، وهنا يمكن التنويه بأنه من الجيد أيضاً أن تصدر الشهادات بقيم تتناسب وكل شرائح المجتمع السوري في الداخل والخارج بغية تلبية جميع متطلباتهم وتحقق الغاية المرجوة منها، ألا وهي تجميع السيولة النقدية، كما أن توزيع الاستحقاقات على فترات منتظمة من 3 أشهر إلى خمس سنوات، مع إمكانية تمديدها مثلاً يسهم في استقرار السيولة وتنظيمها، فالحاجة الآن مع البدء بمرحلة إعادة الإعمار هي للشهادات الأطول مدةً وذلك لتمويل إعادة إعمار البنى التحتية والأساسية.
ختاماً، إن ربط هذا الطرح مع شرط رصيد المكوث الذي وضعه المصرف المركزي لمنح التسهيلات المصرفية من شأنه تشجيع المجتمع على شراء هذه الشهادات وفتح حسابات مصرفية والتحول تدريجياً نحو ثقافة التداول في البورصة وثقافة الإيداع وتخفيف النقد المتداول في السوق مع إمكانية حصولهم على تسهيلات ائتمانية واستهلاكية عند حاجتهم لذلك، والمحصلة ستكون أرقاماً أكثر دقة للسيولة النقدية في سورية وسياسات دقيقة تستهدف أرقاماً واضحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن