قضايا وآراء

حرب السعودية على اليمن وسيناريوهات الهزيمة

تحسين الحلبي : 

كانت العائلة المالكة السعودية تحرص في العقود الماضية على تمويل أي حروب تخدم المصالح الأميركية من دون أن تشارك في هذه الحروب بقواتها البشرية أو أسلحتها الأميركية وهذا ما فعلته في بداية ثمانينيات القرن الماضي حين دعمت بالمال والمتطوعين الإسلاميين المجموعات الأفغانية في حربها على الاتحاد السوفييتي، وكذلك حين دعمت بالمال حرب صدام على الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى عام 1988.
وفي كل هذه الحروب كانت الولايات المتحدة هي المستفيد الأول والمحرض والمخطط الأول لهذه الحروب ضمن إستراتيجية خاصة بأهدافها من دون أي صلة بالأهداف العربية وقضاياها المركزية.
ولكن التطورات الأخيرة في عام 2015 الجاري ولاسيما مجيء عائلة مالكة جديدة في الرياض، تدل على أن السعودية انتقلت إلى سياسة التدخل العسكري المباشر بقواتها وأسلحتها وأموالها بتحريض أميركي ومن أجل المصالح الأميركية نفسها سواء في الحرب التي تشنها على اليمن مباشرة أو في حروب التدخل بالأموال والسلاح ضد سورية والعراق ولبنان، وهذه السياسة السعودية غير المسبوقة في المنطقة بدأت تولد أزمات ومضاعفات ستفرض على العائلة المالكة دفع ثمن باهظ من نواحٍ كثيرة بموجب ما تراه (ليلي باير) في تحليل نشره موقع (غلوبال ريسك اينسايت) (رؤية للمخاطر العالمية) أمس وجاء فيه أن «السعودية تتعرض الآن نتيجة هذه السياسة لعجز في الميزانية بعد أن انخفض احتياطي النقد الأجنبي فيها بقيمة 60 مليار دولار منذ نهاية 2014 حتى حزيران 2015»، وقد لجأت السعودية في تموز 2015 إلى بيع سندات حكومية بقيمة 5.3 مليارات دولار في 10 آب الجاري بسبب زيادة النفقات العسكرية والمشاكل المالية التي شقت طريقها بسرعة بعد أن بلغت نسبة الإنفاق العسكري 17% من الميزانية العامة عام 2014 وبدأت بالارتفاع أكثر فأكثر عام 2015 لتصل إلى 27% حتى نهاية العام المقبل.
ومع انخفاض أسعار برميل النفط إلى خمسين دولاراً يتوقع المختصون في واشنطن وأوروبا أن تزداد أزمة السعودية التي غاصت في حرب لا مصلحة لها فيها ضد اليمن خصوصاً بعد فشلها في تحقيق أهدافها حتى الآن.
الكاتب السياسي (جولاوريا) الذي ينشر مقالاته في صحيفة (وول ستريت جورنال) رأى أن العائلة المالكة تدفع ثمناً باهظاً لسياستها وحربها على اليمن من دون أن يكون في مقدور الإدارة الأميركية تبرير ما تقوم به من تدمير شامل لليمن، فقد ازداد الملف السعودي في الأمم المتحدة، وأصبحت إدارة أوباما تضيق ذرعاً بالإفراط الشديد للغارات السعودية على المدنيين إلى حد جعل أحد المسؤولين الأميركيين يقول إن واشنطن نفسها لا تستطيع عسكرياً القيام بما قامت به السعودية من تدمير واسع للبنى التحتية والمدنية اليمنية لأنها لا تستطيع تحمل مسؤوليته، ويعترف (لاوريا) أن واشنطن تجنبت القيام بحرب مباشرة على سورية بسبب مضاعفاتها السلبية عليها وبسبب عدم ضمان تحقيق أهدافها، على حين أن السعودية سارعت إلى الانتقال السريع إلى شن حرب مباشرة بكل قدراتها العسكرية والمالية على اليمن من دون أي حسابات لعواقبها على الداخل السعودي وعلى دول أخرى في المنطقة.
ويتوقع محللون أميركيون أن تعجز الرياض إذا طالت حربها على اليمن عن إقناع مصر ودول الخليج للاستمرار بالتحالف معها ضد اليمن خصوصاً إذا انخفضت قدرة السعودية المالية على تقديم المساعدات المالية لمصر والمغرب والأردن مقابل المشاركة في الحرب على اليمن. ولذلك بدأت بعض مراكز الأبحاث الأوروبية ترسم سيناريوهات لنتائج الحرب السعودية على اليمن وتعرض فيها تجربة أميركا في (فيتنام) وفي (أفغانستان) وتأثير الأخيرة على حليفها الباكستاني الذي تضرر من مشاركته في دعم المجموعات الأفغانية وبدأ يدفع الثمن وحده بعد أن انخفض عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى النصف منذ عام 2001.
وتستنتج هذه السيناريوهات أن السعودية لن تعود بعد سنوات قليلة إلى عهدها السابق مالياً وسياسياً داخلياً وخارجياً وستقطف واشنطن ثمار الحرب السعودية على اليمن وتدفع فلسطين ضريبة التحالف الأميركي السعودي ضد اليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن