قضايا وآراء

بين مبادرات استدراج عروض ومشروع تقسيم المنطقة

رفعت البدوي : 

يجمع أصحاب الرأي والمطلعون والعارفون بأن قطار الحلول أو التسويات بالمنطقة قد انطلق أو أقله بطريقه للانطلاق خصوصاً بعد الإقرار بسلمية البرنامج النووي الإيراني والإعلان عن الاتفاق بين إيران والدول 5+1 وأن القطار بانتظار الانتهاء من عملية بناء الأرضية الصالحة لوضع سكك قطار التسوية من العراق إلى اليمن مروراً بسورية.
يخطئ من يعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها سوف يقبلون بحلول شاملة لازمات المنطقة بمعزل عن تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية تجعل من حلفاء أميركا في المنطقة مثل السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل يمتلكون أوراقاً تفاوضية تمكنهم من لعب دور التعطيل أو المساهمة في إنجاح المبادرات.
ولو استعرضنا الأحداث والتحضيرات التي رافقت تلك المبادرات لاكتشفنا أننا أمام سباق محموم بين التفاؤل والتشاؤم وأننا لم نزل في بدايات مراحل التفاؤل مصحوبة بتحضيرات متسارعة لترجمة هذا التفاؤل لكن الطريق على ما يبدو ليست معبدة بل ستكون مملوءة بالمطبات والألغام.
1) إطلاق المبادرات المتتالية من روسيا كانت أم من إيران تعتبر مبادرات من الحليف لسورية ولمحور المقاومة وتدعو إلى التركيز على محاربة الإرهاب والحوار مع بعض أطياف المعارضة السورية غير المسلحة، أما مبادرة الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلفائها فتدعو إلى الحوار مع أطياف المعارضة المسلحة مع التركيز على بند مستقبل سورية والدور المستقبلي للرئيس بشار الأسد، إذا الخلاف واضح.
2) تركيا من جهتها مستمرة في محاولاتها الحثيثة التي تؤسس لإنشاء ما يسمى بالمنطقة الآمنة في الشمال السوري على الرغم من خوضها حرباً زائفة تحت عنوان زائف أطلقته وسمته (محاربة الإرهاب) مع أن رجب أردوغان هو من أوجد وساعد واستضاف وسلح ودرب وسهل وفتح حدوده لإرهاب داعش وأخواتها ولا توجد أي إشارة منه ومن حزبه تدل على نيته بالتراجع عن حلمه بالمنطقة الآمنة ومن خلال استعمال داعش وأخواتها.
3) إسرائيل التي تتلاقى بدورها مع أهداف تركيا رجب أردوغان ورغباته في إنشاء حزام أمني في الجنوب السوري مستمرة بتقديم الدعم للنصرة وأخواتها تارة عبر غارات تقوم بها طائرات إسرائيليه بهدف دعم تلك القوى وتارة أخرى عبر مخابراتها ودعمها اللوجستي والمعلوماتي كما أن هناك مؤشراً خطيراً برز منذ يومين حيث إن إسرائيل ولأول مره في تاريخها العسكري تعلن وعبر وسائل الإعلام وعلى المواقع الإلكترونية التابعة للجيش الإسرائيلي عن إستراتيجيتها العسكرية واستعداداتها في أي حرب مقبلة على الجبهتين اللبنانية والسورية.
4) على الرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وخلال الاجتماع الذي ضمه مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في 11/8/2015 في موسكو تمنى لافروف على نظيره السعودي الجبير ألا يأتي على ذكر الرئيس بشار الأسد وأن تنحصر الاهتمامات في إستراتيجية موحدة لمحاربة الإرهاب.
إلا أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وخلال المؤتمر الصحفي في موسكو أصر على إدخال الفقرة المتعلقة بالرئيس بشار الأسد ودوره في المستقبل السوري وهذا إن دل على شيء فإنه يؤشر على إصرار سعودي بالمضي قدما بمشروع إسقاط الرئيس بشار الأسد وأن شيئاً لم يتغير بعقلية السياسة السعودية حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم سورية ما يمنح السعودية حصة بالكعكة السورية.
نبقى بالملف السوري وعلى الرغم مما أشيع مؤخراً عن زيارة اللواء علي المملوك إلى الرياض ونبأ لقائه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان انشغلت وسائل الإعلام والمتابعون والمحللون بتحليلات نتائج الزيارة وتأكيد البعض النتائج الإيجابية لها، أضفى نوعاً من التفاؤل عند هذا البعض مطلقا العنان بضرب مواعيد بانطلاق قطار التسوية بالنسبة للملف السوري، ، لكن وبعد الصمت والتكتم الذي التزمته القيادة السورية بذكاء ودهاء شديدين لجهة عدم تأكيد أو نفي حصول زيارة اللواء علي المملوك إلى الرياض كان الهدف منه امتحان حقيقة النيات السعودية تجاه سورية وتحديدا تجاه الرئيس بشار الأسد، لكن مع إصرار وزير الخارجية السعودية عادل الجبير في موسكو بالإعلان عن عدم قبول السعودية لأي دور للرئيس بشار الأسد بمستقبل سورية كشف النيات الحقيقية للسعودية، وفور انكشاف القناع السعودي خرجت سورية عن تكتمها وجاء النفي السوري لتلك الزيارة من وزير الإعلام السوري عمران الزعبي ليؤكد أن لا مفاوضات مباشرة ولا لقاءات مع الرياض.
إذاً بالنسبة للسعودية لم يتغير شيء وأن المربع الأول من تفسير «جنيف1» لم يزل حاضراً في العقل السعودي.
إلى ذلك يظن البعض أن زيارات المسؤولين السعوديين إلى روسيا تضع في أولوياتها بحث الملف السوري في حين المصادر الموثوقة تقول إن الهم الأساسي للسعودية هو ملف اليمن والتنسيق مع القيادة الروسية حول هذا الملف.
يأتي غض الطرف الروسي عن تقدم القوى المدعومة من السعودية وخصوصاً في الجنوب اليمني وصولاً إلى زنجبار ومحافظة شبوة وعدم استعمال حق النقض الروسي على القرار الأممي رقم 2216 كان دليلاً واضحاً على تحقيق رغبه روسية بضرورة إعطاء السعودية وحلفائها شيئاً ما في اليمن لكن على قاعدة رابح رابح وقاعدة امتلاك الأوراق عند كل طرف أي بقاء صنعاء تحت سيطرة القوى المناهضة للسعودية وبذلك يكون اليمن بين جنوب سعودي وشمال مناوئ للسعودية عندها يمتلك الجميع أوراقاً تفاوضية تمهيداً للقبول بمبدأ الجلوس على طاولة الحوار في مسقط أو جنيف أو حتى الرياض التي ستفضي إلى اتفاق تكون السعودية صاحبة الكعب الأعلى في تقسيم اليمن.
5) الجنرال (راي اوديرنو) رئيس أركان الجيش الأميركي عقد مؤتمراً صحفياً في البنتاغون ليقول: يجب أن يدرس مشروع تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم سني وشيعي وكردي مع الحفاظ على بغداد أو بحث إمكانية نشر قوات أميركية على الأرض إلى جانب الجيش العراقي إذا لم يُحرز الجيش العراقي أي تقدم خلال الأشهر المقبلة في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
6) زيارة قاسم سليماني إلى موسكو ولقاؤه كبار مسؤولي الأمن القومي الروسي تدخل ضمن هذا السياق إضافه إلى ملف العراق الذي يبدو أن ملفه حسم لمصلحة تقاسم النفوذ فيه مع الحفاظ على كعب إيراني عال في هذا البلد.
7) حماس ومن خلال مؤتمر صحفي قال الدكتور سامي أبو زهري: إننا نتواصل مع بعض الجهات الأوروبية ومع طوني بلير من أجل تحقيق هدنة طويلة مع العدو الصهيوني وهذا المطلب الإسرائيلي يأتي بهدف زيادة الشرخ بين الفلسطينيين أنفسهم وأن يؤدي مثل هذا الاتفاق إلى قيام دولة فلسطينية في غزه منفصلة عن السلطة الفلسطينية في رام الله.
اعتبار القرار المقدم من الأمم المتحدة بخصوص مناقشة الفترة الانتقالية بسورية بحكم الملغى بعدما تمسكت فنزويلا مادورو وبتنسيق مباشر مع روسيا بوتين باعتراضها على هذا البند واعتباره قراراً سورياً داخلياً خالصاً.
إعادة الأزمة الأوكرانية وأزمة نشر الدرع الصاروخي للواجهة من خلال الاتصال الهاتفي بين لافروف وكيري ودعوة لافروف إلى ضرورة تنفيذ كييف بنود اتفاق التهدئة مع مينسك المتفق عليه وتوجيه تحذير شديد اللهجة من لافروف إلى كيري بضرورة وقف العمل بنشر الدرع الصاروخي ووقف كل أشكال الاستفزاز من حكومة كييف يعيد إلينا مشهد الاشتباك السياسي بين أميركا وروسيا ومن خلفهما إيران والسعودية لا زال على أشده وأن الأزمة السورية لم تعد أزمة داخلية بل إنها أصبحت أزمة متداخلة سلباً أم إيجاباً في المعترك الدولي وفي معترك التحالفات الإقليمية.
وكأن الهدف من تلك المبادرات هو تثبيت الواقع العسكري الحالي على غرار ما حصل في كييف ومينسك فلا الدولة السورية استطاعت الحفاظ بالسيطرة على كامل التراب السوري ولا القوى المدعومة من السعودية وتركيا وإسرائيل وقطر استطاعت أن تسقط النظام أو السيطرة على أماكن تعتبر الثقل الأساسي للدولة السورية، من خلال بقاء القوى المتقاتلة في مواقعها فقط من دون البحث بالحل الجذري والجدي للأزمه السورية وبذلك تكون سورية مهدده بالتقسيم الفعلي لأراضيها تتنازع عليها قوى عدة مدعومة من تركيا وإسرائيل والسعودية وقطر والولايات المتحدة إضافة للقوى النظامية السورية والقوى المتحالفة معها مدعومة من روسيا وإيران.
إعادة الحديث عن تقسيم العراق يقودنا إلى فهم نيات أميركا وحلفائها من استعمال الإرهاب في مناطقنا ودولنا ممثلا بداعش ما هو إلا استمرار العمل على تحقيق رغبة العدو الإسرائيلي في تقسيم المنطقة لتمارس أميركا ابتزازها على الدول العربية ونهب ثرواتها.
كل تلك المبادرات تعتبر بحكم المخدر الخفيف لاستدراج عروض تتصادم فيها ترجمة أفكار ومصالح وأهداف لكل فريق بانتظار عواصف تقسيمية عاتية تلوح في الأفق ليبقى الميدان العسكري صاحب الكلمة الفصل الذي سيحدد مصير الجغرافيا في المنطقة وإلا فإننا سنكون أمام مشهد إنشاء أقاليم ودويلات جديدة تكون في خدمة وأمرة إسرائيل ستظهر في المدى المتوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن