ثقافة وفن

طرطوس تعلن ولادة جبران خليل جبران من جديد في وجدان كل من عشقه … حالة نادرة لا تتكرر ويجب أن نعرف هذه القامة ماذا فعلت وماذا قدمت؟

| طرطوس- سناء أسعد

طرطوس تحتفي بجبران.. جبران الرسام والشاعر والأديب والفيلسوف.. جبران الأسطورة والإبداع النادر والاستثنائي.
جبران المحبة والسلام وأرقى القيم الإنسانية، جبران الحالم والرومانسي في كتابه الأجنحة المتكسرة.. الثائر على جميع التقاليد الفاسدة والناقد لسطوة وسيطرة رجال الدين في كتابه الأرواح المتمردة.. وأما كتابه النبي فقد تركه زاداً لكل من يرغب في أن يغرف منه وقت الحاجة بل هو حاجة كل إنسان خلال مسيرة حياته الطويلة بأصغر وأكبر تفاصيلها. ففي كل عبارة حكمة، وفي كل جملة قول مأثور.. كيف لا وبصمته الروحانية تجوب مخيلتنا في كل مرة يسكنها جبران.. وإحساسه المرهف يحلق بنا إلى كل ما يشعرنا بجمال وجودنا وإلى حيث يطغى الحب على الكره والخير على الشر والتسامح على الحقد والأنانية.. فهو لا يأتينا زائراً ولا ضيفاً عابراً بل هو ولهٌ وعشق أبدي يلتصق ويذوب في عمق أعماقنا الحالمة بأن يكون السلطان الوحيد علينا هو إنسانيتنا، ومن أشهر أقواله في المحبة في كتابه النبي: «المحبة لا تعطي إلا نفسها، ولا تأخد إلا من نفسها. المحبة لا تملك شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأن المحبة مكتفية بالمحبة»..

اليوم التاسع من آب سيكون جبران حاضراً في وجدان وضمير وقلب كل من عشقه وآمن به كإنسان ارتقى بإنسانيته أدباً وفناً وشعراً وفلسفة، في أكبر تظاهرة ثقافية فنية تشكيلية موسيقية، سيحضر جبران بين أهل الأدب والثقافة والفن لا للاحتفاء به وحسب بل ليعلنوا ولادة جبران خليل جبران من جديد ومن قلب مدينة طرطوس.
وبهذه المناسبة المميزة والفريدة التي ستقام في صالة طرطوس القديمة (قلعة طرطوس) عقدت جمعية أصدقاء الموسيقا في طرطوس صاحبة المشروع وإدارة المهرجان مؤتمراً صحفياً خاصاً بإطلاق فعاليات مهرجان جبران خليل جبران حيث ألقى كلمة افتتاح المؤتمر الموسيقي الأكاديمي والباحث بشر عيسى مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء الموسيقا في طرطوس ومدير المهرجان تحت عنوان:
طرطوس تحتفي بجبران قائلاً فيها: مهرجان جبران خليل جبران الرسام والشاعر والأديب والفيلسوف، هو المهرجان الأول من نوعه وأكبر تظاهرة ثقافية فنية تشكيلية موسيقية تقام لتسليط الضوء وإعادة استحضار إرث جبران الفكري والفني.
يأتي توقيت هذا المهرجان في زمن عصفت فيه الحروب بسورية الحبيبة، سورية جبران التي أحبها وفاخر بالانتماء إليها، في وقت أشد ما تكون الحاجة فيه إلى نهضة الإنسان السوري من جديد، الإنسان السوري الذي ابتكر الحرف والفن والجمال وحملهم إلى أصقاع العالم.
لذلك فقد كان الهدف الأول من مهرجاننا هو الإضاءة من جديد على القيم النبيلة في الخير والحق والمحبة والجمال التي تمثل وجدان الإنسان السوري والتي فاضت بها قريحة جبران خليل جبران المبدعة في لوحاته وقصائده وكلماته الخالدة.
وقد نشدنا منذ البداية أن تكون طرطوس الحاضن الأم لهذا المهرجان، فتم التعاون بين جمعية أصدقاء الموسيقا صاحبة المشروع، ومجلس المدينة الذي قدم بكل كرم مكان المهرجان الرائع وجميع الإمكانات المتاحة فيه، وفي خطوة سباقة عظيمة احتضن المجتمع الأهلي من فعاليات اقتصادية وسياحية أهلية في طرطوس هذه التظاهرة داعماً إياها مقدماً بكل سخاء وحب جميع الموارد والمستلزمات التقنية والفنية واللوجستية لإنجاح هذا المهرجان.
مضيفاً: يأتي تميز هذا المهرجان من ضخامة الحشد الثقافي والفني الذي يكتنفه، حيث يشارك في فعاليات المهرجان أكثر من 160 شخصاً من فنانين تشكيليين وأدباء وشعراء وموسيقيين.
فقد بني هذا المهرجان أساساً على تظاهرة فنية تشكيلية عبر معرض فني دعا إليه ونظمه الفنان التشكيلي والناقد الفني أديب مخزوم ليضم النتاج الفني لأكثر من 60 فناناً تشكيلياً سورياً ولبنانياً من مختلف الأعمار والخبرات والمستويات الأكاديمية، يصورون جبران وعوالمه الفكرية والجمالية، وقد تم عرض هذه اللوحات في نهاية تموز الماضي في دمشق ليتم إحضارها إلى طرطوس لتكون نواة هذا المهرجان.
كما قسمت فعاليات المهرجان التي تشمل المحاضرات الصباحية إلى أربعة محاور يتناول كل منها الغوص والتبحر في عوالم جبران الرسام، والأديب، والشاعر، والفيلسوف، بمشاركة نخبة من الأدباء والكتاب والشعراء السوريين واللبنانيين الذين لهم أبحاث وكتابات عن جبران وإرثه الإنساني، إضافة إلى قراءات مختارة من أدب جبران وأشعاره.
ويتابع قائلاً: يشارك في هذه التظاهرة ما يزيد على مئة موسيقي وموسيقية في ثلاث فرق موسيقية تختص كل منها بنمط موسيقا وأسلوب أدائي مميز، فلدينا في ليلة الافتتاح كورال أرجوان للغناء المتعدد الأصوات والموزع هارمونيا الذي يقدم ولأول مرة برنامجاً كاملاً للغناء العربي والفلكلور السوري موزع هارمونيا إما بأسلوب الأكابيلا (الغناء دون فرقة موسيقية)، وإما بمرافقة البيانو على نمط الكورال الكلاسيكي الغربي، وفي ثاني ليلة مجموعة عبق الموسيقية تؤدي مجموعة مختارة من أغاني الموسيقار زكي ناصيف ينشدها الكورال مع فرقة موسيقية كبيرة بأسلوب احترافي مميز، وفي يوم الختام نستضيف تخت إيميسا الشرقي من حمص في باقة من أجمل المقطوعات الشرقية الآلية وأغان لأساطين الغناء العربي، وموشحات وقدود حلبية، وقد حضرت كل فرقة أغنية مختلفة من قصائد جبران المغناة لتفتتح بها أمسيتها بأسلوبها الخاص.
وختم بقوله: جبران يستحق، وطرطوس تستحق، فعسى نستطيع أن نقدم باسم هذه المدينة العظيمة ما يليق بها من فكر وثقافة وفن وجمال، وبما يليق باسم جبران خليل جبران الذي يمثل وجدان كل إنسان وفنان وشاعر.

جبران حالة نادرة
أما الفنان التشكيلي والناقد الفني أديب مخزوم المنسق والمشرف على المعرض التشكيلي الفني الجماعي الذي سيعرض في المهرجان فقال:
جبران حالة نادرة لا تتكرر، فهو الأكثر مبيعاً في العالم بعد شكسبير.. ولا يوجد هناك أي كاتب عربي بيعت نسخه مثل ما بيع لجبران.. مئات ملايين النسخ بيعت له في البلاد الأجنبية.. وبحوزتي وثائق تؤكد ما أقوله وتؤكد أيضاً أنه في السنة الواحدة وزع 50 مليون نسخة من كتاب جبران النبي في أميركا هذا بالإضافة إلى أن كتبه مترجمة إلى خمسين لغة.
أما بالنسبة للمعرض الذي أقمته في دمشق فقد كان تحت عنوان: «جبران الفنان والمخلص» لأن جبران دعا للمحبة والعيش المشترك.. جبران نحن أحوج ما نكون إليه في هذه المرحلة.. مرحلة الخراب والدمار التي تعرضنا لها وأحوج ما نكون لجبران النبي لأن جبران النبي على لسان المصطفى في كتابه النبي دعا للقيم الإنسانية والروحية.
مضيفاً: لدي خبر يؤكد أن كتب جبران تؤرخ بأهم الجامعات الأميركية في الدراسات العليا.. أما بالنسبة لنا نحن فإننا نعرض فقط بعض المقاطع الصغيرة لأقوال جبران في الكتب المدرسية وأنا أتمنى أن تتوسع المساحة المخصصة لجبران في الكتب المدرسية.
ويتابع قائلاً: من الناحية الفنية كقوة خطوط وكقوة لوحة وقوة تكوين.. جبران لا يقل أهمية عن أي فنان من الفنانين الذين قادوا الحداثة العالمية في مطلع القرن العشرين والدليل على ذلك أنه عرض لوحاته مع كبار رواد الحداثة في قلب عاصمة عواصم الفن باريس وفي نيويورك.
والذي يؤكد الهاجس الروحاني عند جبران أنه وفي إحدى المرات وعندما سألته الموديل روزينا عن الوضعية التي يحب أن يرسمها بها.. أجابها قائلاً: كأنك سابحة في الفضاء ومحمولة على أذرع الملائكة إلى السماء، فجميع لوحات جبران لاتخلو من النزعة الروحانية وهذا كان الأهم بالنسبة لجبران واللوحة المحمولة على أذرع الملائكة إلى السماء عرضت في معرض الخريف بباريس مع كبار رواد الحداثة مثل( رينوا، سيزان، ماتيس، دومييه، بونار..) وزار المعرض «رودان» أشهر نحات في القرن العشرين وسجل كلمته عن لوحات جبران حيث قال: لم أر فناناً مبدعاً يحقق هذه الوحدة الفريدة بين الرسم والكتابة مثل جبران.. يعني أن جبران بكتاباته ولوحاته يحقق الهدف الروحي والإنساني نفسه.
مضيفاً: الكثيرون نظروا إلى لوحاته باستخفاف لأنه يجسد العاريات وطبعا هذا جهل لأنهم لم ينظروا إلى اللوحة من حيث بعدها الفني وبعدها التكويني.. لم يحللوا اللوحة فنياً بل نظروا إليها نظرة سطحية وهذا الأمر كان من أكبر الأخطاء والمغالطات.. بالإضافة إلى أن جبران كان يتهم بأن لوحاته غربية ولكن الأمر كان عكس ذلك تماما فجميع لوحاته كانت خلفياتها بصخور شاهقة وهذه كلها صخور محيطة ببلدته بشري الصخرية وقنوبين. فهذه الأجواء وطبيعة بشري الصخرية بقيت في مخيلته وظاهرة في لوحاته وهو يقيم في بوسطن ونيويورك.

يجب أن نعرف هذه القامة
ماذا فعلت وماذا قدمت
اما الشاعر حسن بعيتي قال: جبران حاضر كثيراً اليوم كاسم وقد مضى فترة على غيابه فهو ظهر في مطلع القرن العشرين كشاعر وأديب وفنان وهكذا يكون قد مضى قرن على غيابه لذلك أعتقد أن وجوده اليوم يحتاج لشيء من الإضاءة وان كانت شهرته كبيرة على مستوى العالم.. لأن القضية ليست مجرد أن نعرف وإنما يجب أن نعرف هذه القامة ماذا فعلت وماذا قدمت وذلك يكون بالإضاءة على جميع الجوانب التي أبدع فيها سواء أكان في الرسم والكتابة أم في الشعر والفلسفة.
ويتابع قائلاً: كان هناك معرض رسم أقيم عن جبران خليل جبران في دمشق الذي كان بمنزلة خطوة أولى وعامل جوهري للتخطيط من أجل إقامة هذه الفعالية من جمعية أصدقاء الموسيقا وقد بذلت جهوداً كبيرة ليأتي هذا المعرض إلى طرطوس ولإقامة فعالية خاصة بهذه الجمعية وأعتقد أنها موفقة جداً في ذلك وطبعا هذا لا ينفي أن يكون هناك مهرجانات قادمة وتتعلق بمبدعين آخرين، والمبدع سواء أكان جبران أم غيره لاشك أنه سيكون حالة نادرة وإلا إذا لم يكن كذلك لم نسميه مبدعاً.
وكان من بين المشاركين في المؤتمر أيضاً: عازفة البيانو الأستاذة شذى طعمة أمين سر جمعية أصدقاء الموسيقا في طرطوس والأستاذ ياسر موسى عضو اللجنة التحضيرية للمهرجان، وممثل عن الفعاليات الاقتصادية والسياحية في طرطوس والداعمة للمهرجان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن