العدو
| زياد حيدر
يكثر السؤال، وتتجنب الإجابة. السؤال فيه اتهام وحكم مسبق، والإجابة ربما تروج للاتهام، فتفضل الصمت، وتقول: أدر الخد الآخر واصمت.
بعد ذلك، تنتبه إلى أن مشكلتك ليست في الإجابة، ولا في الحكم المسبق، بل في كون العالم من حولك يدور بالسرعة ذاتها، وذات الوتيرة منذ كنت يافعاً. اللماذا، والماذا، والكيف، كلها أسئلة تعلمت أن تسألها، وأن تبقي على إلحاحك حتى باتت الأجوبة تنغص عليك ولا تفيدك.
وهكذا تصبح أحكامك مزعجة، وتحليلاتك غير مريحة، ويصبح عليك أن تجيب دوماً عن هذا السؤال، لماذا أنت هكذا؟ لماذا هذا التشاؤم؟ لماذا هذه السوداوية؟ وثمة من تلقى تعليماً متوسطاً يميل للحديث عن سلبية تعتريك، وآخر ممن لم ينل من التعليم شيئاً يشير لمسٍّ في يقينك، ويتدخل متسلق منافق ليشير لعلل المبهورين ببلاد الخارج، والذين لا يستطعيون تمييز إيجابيات أوطاننا.
تجلس وتقول لنفسك غدا يوم جديد. سأستفيق، كما لو أنني أقضي إجازة في الكاريبي. سأخرج للشرفة وأتعاطى قهوتي هناك، مستمتعاً بمنظر البحر المبهج، والذي لم يهدأ موجه منذ شهر. لكن مشكلة هذا الموج الوحيدة، أنه صنعة رياح جنوبية غربية، وهي الرياح المكروهة التي تأتي بغبار معمل سُم طرطوس لغرف نومنا وشرفاتنا وصحون طعامنا.
«فكرة سلبية» يجب اعتراضها، فتنظر باتجاه آخر، نحو وادي الزيتون، وأشجار السرو والزنزرخت، وخلفها البيوت المصطفة على سفحه. لون خضرة الأشجار باهت تحت تأثير طبقات الغبار، منذ أربعين عاماً، والبيوت مختفية تقريباً تحت زخاته هذا الصباح، فتقول لنفسك «فكرة سلبية أخرى؟».
تدخل البيت، مستغنياً عن القهوة التي تلوثت هي الأخرى، راضياً بحبسك في قلب بيتك، حارتك، قريتك، خلف قضبان عالية من الفساد والإهمال الإداري والحكومي، ورغم أن الكهرباء تنقطع، وتتحول الرطوبة لدَبَق لا يطاق، إلا أن الحبس هو المزعج، لا غياب الكهرباء.
تقول لنفسك إن الحياة جميلة، ولو في أجواء ملوثة، فتذهب بعيداً كي تمارس رياضتك، حيث الهواء أنقى، وتبتعد قدر المستطاع، وسحب الغبار تلاحقك، حتى تلك النقطة التي تعود للطبيعة فيها خضرتها.
في اليوم التالي تستفيق بذات الإيجابية. تلاحظ أن اتجاه الريح قد تحول إلى الشمالي، وهو ما يعني أن غبار معمل سُم طرطوس، سيُلقى فوق القرى الموجودة على يمينه، فتبتهج، أنك نجوت ما دام اتجاه الريح لم يتغير، ولكنك لا تستطيع إلا أن تشعر بانقباض ما، فهذا السُم قد حاد عن أولادك، وهاهو يهبط في صدور أولاد جيرانك.
فكرة سلبية، مكافحتها تكون بتجاهل أن شيئاً يحدث، فالمعمل لا يعنينا ما دام الهواء شمالياً، وهو ليس مشكلتنا بل مشكلة جيراننا. مساء تساعد في لملمة الغسيل، فتجد أن ثيابك وثياب غيرك، مناشفك وشراشفك وغيرها، مصبوغة بلون السّم الرمادي، فتتذكر أن مشاكلك، تزيد منها ريح وتخفف منها ريح، لكنها هنا لا تتغير.
يا لها من سلبية، أن تعيش وسط هذا الجو، تعرف أن عدوك هنا على بعد مئات الأمتار، وأنه منفعة للاقتصاد، وأن ثمة من يجني مئات الملايين منه كل شهر، وأنت لا تستطيع أن تكون إيجابياً.
كمواطنين، نفرح لكل انتصار يقوم به الجيش على الإرهابيين والخونة وعملاء العدو، وقريباً على دعاة التقسيم. ولكننا نسأل بسلبيتنا المعتادة من سينتصر لنا في الحرب على الفساد والإهمال؟