شؤون محلية

اللا«أكاديميون» الجدد وسرقة «الدولة»

| سامر علي ضاحي

يشهد العدو قبل الصديق بأن سورية نجحت في النصف الثاني من القرن العشرين ببناء مؤسسات وهياكل حكومية مكنتها من أن تكون رائدة على المستوى التنظيمي «كدولة» بالمعنى الاصطلاحي للمفهوم، وحافظت خلال العقدين الأخيرين وسنوات الأزمة على هذا البناء، ومن هنا كان لا بد لها من أن تواجه محاولات لإفراغ مؤسساتها من معناها الحقيقي، ولعل هذا كان أحد أسباب الحرب على سورية، ولكن ما نحن فاعلون؟
خلال سنوات الحرب، شهد المجتمع السوري اندفاعة في عمل منظمات ومؤسسات دولية أو أممية أو مرتبطة بمنظمات خارجية أو حتى غير معروفة الانتماء، وأصبغت على نفسها صفة «التنموية» وهو ما كان كافياً للوصول إلى نتيجة مفادها أن ثمة محاولة لإفراغ مؤسسات الدولة من معناها أو سرقة هذا المعنى.
ولتنجح هذه المنظمات في محاولتها كان لا بد لها من إعداد ما يمكن تسميته «الأكاديميين الجدد» فبعد فضيحة شهادات الدكتوراه المزورة التي كنست بعض من استطاعوا الوصول إلى مناصب مهمة، بانتظار افتضاح أمر البقية، نشط اليوم «البقية» من حاملي الشهادات المزورة والمشتراة من الخارج بعدما فشلوا بمعدلاتهم المتدنية في الثانوية العامة في طرق أبواب صروحنا الجامعية، واستغلوا قدراتهم الإعلامية والتسويقية، وما انزلقت إليه جامعاتنا من ترتيب متأخر على سلم الجامعات العالمية، وما وصلت إليه مدارسنا من غياب المحتوى التعليمي واستمرارها في التعليم التقليدي رغم كل محاولات النهوض بواقع التربية والتعليم في سورية.
وللأسف، إن مثل هذا النشاط وبسبب عوائده المادية المرتفعة، استطاع جذب حتى الخبراء ذوي التأهيل والاختصاص المناسبين، ليعملوا تحت رعاية أو بالشراكة مع «الأكاديميين الجديد»، واستغلال خبرة هؤلاء في اللعبة الأهم وهي التركيز على استهداف عنصر الشباب في المجتمع، ممن لم تستطع داعش وشقيقاتها سحبهم للجهاد بالسلاح في صفوفها، فباتوا مجاهدين فكرياً في صفوف محاربي «الدولة» دون أن يعلموا، وللأسف لا تزال المرجعيات الوزارية المختصة عاجزة عن ضبط هذا الفعل وأدواتها قاصرة في معالجته، إذا ما غفلنا عن عدم الترابط الموضوعي الواجب بين الوزارات، فما تكافحه وزارة ما تتلقفه وزارة أخرى.
ولكن ما تكشف أن أداء مشروعات «الأكاديميين الجدد» لم يكن تنموياً بقدر ما كان هداماً، يستهدف «الدولة» فنرى اليوم عشرات الاختصاصات القديمة أو الناشئة في المجتمع يمكن لأي فرد ببساطة الحصول على شهادات خبرة فيها، باتباع دورات لا تتعدى أيامها عشرة، دون أن يكون متحصلاً على أي أساس أكاديمي متعلق بالموضوع، على حين تكلف شهادات مماثلة سنوات من العمل الجامعي والمدرسي.
الأكثر خطورة أن تسويق مشروعات «الأكاديميين الجدد» يضع شرعية مؤسساتنا التعليمية والجامعية على المحك، قبل أن يفقدها مضمونها ومهامها، في مجتمع بات خاضعاً لقوانين العولمة.
ما دامت الحرب تضع أوزارها، ونتجه إلى الإعمار، فليس من المقبول أن نرى بلدنا يعاد إعماره، بشراً وحجراً، من «الأكاديميين الجدد»، وليس من المنطق أن نسكت على الهجرة الكبيرة التي تشهدها مدارسنا إلى المدارس الخاصة، ولا أن نستكن لتراجع جامعاتنا، فاليوم نحن بحاجة إلى وقفة موضوعية لمكافحة هؤلاء وتعريتهم وفرض المزيد من الرقابة عليهم، كي نحافظ على ما بناه أسلافنا ودافعنا عنه خلال الحرب وهما الوطن و«الدولة».

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن