قضايا وآراء

أردوغان وخياراته المحدودة بعد قرار ترامب

| تحسين الحلبي

اعتاد رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان منذ بداية الحرب على سورية اتباع سياسة اعتمد فيها على ممارسة الضغوط والابتزاز لتحقيق أي مصلحة لحكمه والمحافظة عليه مهما كان الثمن وقد وجه سياسة الابتزاز هذه تجاه دول صديقة وكذلك ضد دول ناصبها عداء سافراً دونما أي ذنب مثل سورية والعراق بشكل خاص.
وتعامل بهذه السياسة نفسها تجاه الاتحاد الأوروبي حين فرض عليه منحه 6 مليارات دولار مقابل قيامه بمنع انتقال اللاجئين السوريين وغيرهم إلى دول أوروبا ووظف موقع البلاد المتاخم لحدود اليونان ودول البحر الأسود للحصول على الأموال مثلما وظف موضوع اللاجئين بالقدر نفسه فأقام الحواجز والقيود على حركتهم على غرار المتاجرين بالبشر واستخدم واشنطن ضد روسيا في سورية وفي البحر الأسود ثم شن حملة تهديد على إيران وروسيا وعاد وتوافق معهما في مؤتمر سوتشي دون أن يتوقف عن تقديم الدعم للمجموعات المسلحة ومشاركتها بالعدوان على سورية وأراضيها وشعبها بل على اللاجئين السوريين الذين نظمهم بالقوة والإكراه للانضمام إلى مساندة جيشه عند احتلال عفرين ومنبج وجرابلس وفي النهاية وجد نفسه أمام لوحة سريالية لا يظهر فيها ما يشير إلى الصديق أو الحليف أو المحايد وما يميزه عن العدو واتبع هذه السياسة في الداخل وفي علاقاته الخارجية وهو الذي كان يقول إن علاقته إستراتيجية بالولايات المتحدة ثم يعلن أنها خططت للإطاحة به في انقلاب يقوده فتح الله غولن، ويميل في أحيان أخرى إلى انتقاد أو استنكار بعض السياسات الإسرائيلية، على حين يتصاعد الميزان التجاري معها ولذلك أصبح كل من يرغب في الاقتراب منه لا يعرف من أي باب أو نافذة يدخل منها إليه.
ورغم كل هذه السياسات المتناقضة التي يشوب معظمها غموض سلبي بدأت خيارات أردوغان تضيق أكثر فأكثر وأصبح عاجزاً عن تكرار منهجه هذا خصوصاً بعد أن وجهت واشنطن له ضربة قوية في زيادة الضرائب على المعادن المستوردة منها لمصلحة الصناعات التركية الثقيلة والمعدنية وتصديرها فانخفضت قيمة الليرة التركية فجأة وبسرعة غير مسبوقة مقابل الدولار إلى أدنى قيمة لها منذ فترة طويلة واهتز بنيان البلاد الاقتصادي وتفشت مظاهر اليأس من مستقبل تركيا الاقتصادي في السنوات المقبلة وتزعزعت أركان حكم أردوغان التي كان يؤسسها على الاستقرار الاقتصادي للبلاد وعلى «الفتوحات» التي وعد بها أصحاب الشوفينية التركية وأصحاب العودة للسلطنة العثمانية.
في أعقاب هذه التطورات بدأت خيارات أردوغان تزداد ضيقاً سواء على المستوى السياسي أم الاقتصادي ولذلك يرى المحلل السياسي في صحيفة «الغارديان» البريطانية لاري إيليوت أن أردوغان لم يعد أمامه سوى الرد على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهديده بالانسحاب من حلف الأطلسي وبزيادة تقاربه مع موسكو، وقد يهدد بإطلاق اللاجئين السوريين وغيرهم من جديد إلى أوروبا إذا لم تقف إلى جانبه، ولكن مثل هذه المواقف السياسية لن تعيد اقتصاد تركيا إلى مرحلة النهوض ولن يؤثر في الأسواق المالية لمصلحة تركيا لأن الوضع الاقتصادي كله قد أصبح على كف عفريت والعملة التركية ستتسارع خطوط انهيارها إذا لم يتخذ أردوغان إجراءات لن تسر الجمهور التركي الفقير والمتوسط الدخل.
يعتقد إيليوت أن أردوغان قد يتجه الآن نحو فرض تقييد على حركة الرأسمال التركي في الداخل لكن تركيا تتبنى نظام الاقتصاد الحر وسوف تكون بحاجة ماسة إلى كمية أموال كبيرة من الخارج ولن تستفيد من إجراء كهذا.
وإضافة إلى ذلك يعرف أردوغان وحزبه أن مساعدة دول نفطية له قد لا يحصل إذا تدخل ترامب ومنع تقديم دعم مالي كهذا للاقتصاد التركي وهو الذي فرض هذا الوضع الاقتصادي على تركيا ولذلك يرى بعض المحللين السياسيين الأتراك أن أردوغان لن يجد في الساحة من يمد له يد العون سوى صندوق النقد الدولي وهو الآخر يخضع للنفوذ الأميركي، أو موسكو التي قدمت لإيران قبل أسبوعين مبلغ دعم مالي بقيمة 40 مليار دولار في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي سببتها عقوبات ترامب على إيران، لكن أردوغان والكل يعرف أن علاقة موسكو بطهران هي علاقة تحالف واضح ونظيف وليست كعلاقة أردوغان بموسكو الذي ما زال يخلق المشكلات للسياسة الروسية في سورية والمنطقة.
في النهاية ستكشف الأسابيع أو الأشهر المقبلة طبيعة الموقف الذي سوف يتخذه أردوغان للتخلص من المتاعب والمجابهات التي ولدها لتركيا بسبب سياسته العدائية التوسعية على حساب سورية والعراق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن