قضايا وآراء

القوات الأميركية.. باقية!

| مازن بلال

تحدثت التقارير عن أن القوات الأميركية سترحل خلال تشرين الثاني من سورية، ولا يشكل هذا التاريخ أي حالة فارقة بالنسبة لخريطة الصراع في سورية، فالوجود الأميركي يفقد وظائفه بشكل تدريجي، وهو مع عدم توافر طرف قادر على التأثير العسكري فإن واشنطن تبقى في سورية لترتيب المساحة السياسية، وفي المقابل فإن حلول الأزمة المفقودة على المستوى الإقليمي على الأقل؛ ربما تدفع الولايات المتحدة للبقاء فترة أطول، ولكن هذا التواجد لم يعد ضمانة لأي أحد بل تهيئة لمسرح الصراع السياسي القادم.
عملياً فإن التصريحات حول بقاء القوات الأميركية حتى إنهاء داعش ليس جديداً، وهو يعمل مع الأردن على استخدام أوراق غير عسكرية مثل اللاجئين أو فتح الحدود، فالمسألة هي التعامل مع الوقت حتى استنفاد الفرص المتاحة في ترتيبات الشرق الأوسط القادم، وهذا الأمر ربما يطول ما دامت الأزمات الإقليمية في حالة صعود وهبوط، ولكن المهم هو أن سورية لم تعد البوابة الوحيدة للتصعيد في المنطقة، فالإدارة الأميركية فتحت أكثر من باب لصياغة الشرق الأوسط، وهي لم تعد تحاول هزم إيران من هامش حلفائها، سورية وحزب الله، فالنار المفتوحة على تركيا هي إحدى البوابات الأهم في هذا الصراع المتصاعد.
يقوم الجيش الأميركي في سورية بمهام «رصد البوابات» إن صح التعبير، فهو يدرك أن السيطرة على «عقدة» سورية داخل شبكة الشرق الأوسط أمر مستحيل مع وجود القوات الروسية على الساحل السوري، وأصبح من الصعب أيضاً الحضور الكثيف على الحدود الشرقية لسورية نتيجة التعقيدات العراقية، فالخط الواصل بين إيران ولبنان لا يمكن قطعه في ظل الظروف الحالية، على حين يمكن «رصده» و«تقنين» مساره لخلق توازن في القوة لـ«إسرائيل».
رغم أن الحرب في سورية اتسمت بتعقيدات كثيرة ولكن المرحلة القادمة تبدو أكثر تشابكاً، والقدرة على رسم علاقات إقليمية لما بعد الحرب ستكون صعبة نتيجة حجم التداخلات الدولية، فالوضع السوري يمكن مقاربته بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية من جهة الكثافة العسكرية، وما ينقص هنا هو التشكيل السياسي القادر على ضمان ملء الفراغ مع انتهاء الحرب كلياً، فإذا كان صحيحاً أن الدولة السورية تعتبر الأكثر قدرة على التعامل مع الوضع الناشئ، وبالتالي ضمان الاستقرار مع عودة الجيوش الموجودة بشكل غير شرعي إلى بلادها، لكن رسم العلاقات الداخلية والإقليمية يحتاج إلى مساحة سياسية مختلفة كلياً، وربما غريبة عن سورية لأنها تجربة فريدة، ومعادلة عليها أن تحفظ سيادة سورية مع ضمان توازن إقليمي يمنع «القوة الناعمة»، الأميركية أو غيرها، من التدخل مجدداً في سورية.
مهام ما بعد الحرب مملوءة بالمساحات التي تتيح لجميع القوى التدخل اقتصادياً، وتمنح أيضاً لـ«رأسمال الفساد» التضخم والنمو بشكل يهدد السيادة والأمن الاجتماعي، وهذا الأمر تدركه الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية والإقليمية، وتعرف أيضاً أن ما بعد الحرب هو زمنٌ خصبٌ للتعامل مع الداخل السوري، وسواء انسحبت أم بقيت في سورية فإن المهم هو إنعاش الواقع الاجتماعي السياسي ليصبح ظاهرة تقلل من فرص التدخلات الخارجية، وعندما يتم الحديث اليوم عن «انتخابات الإدارة المحلية» فإنها الوسيلة الأهم لتحقيق هذا الإنعاش، فالمسألة ليست ترويجاً فقط لحدث سوري، بل استحقاق أساسي لتحصين المجتمع السوري أمام سيل التداخلات الاقتصادية القادمة.
«المجالس المحلية» يمكن أن توضع ضمن خريطة القوى الحاكمة في رسم العلاقات المستقبلية، والمرور عليها بشكل اعتيادي سيضيع فرصة للحوار الداخلي ولبناء علاقة اجتماعية قادرة على رفد السيادة بالدرجة الأولى، وربما علينا كسر الاعتياد أمام حدث مكرر لكن فيه احتمال مهم لتحولات عميقة في مرحلة ما بعد الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن