الإيجابية المفتعلة
| زياد حيدر
كان ثمة عجوز يحتضر عرفته عن قرب، بعد أن تجاوز الثمانين من عمره بعدة سنوات. كان معروفاً بحبه للحياة، ورغبته في العيش طويلا، فكان شديد العناية بصحته، صارما في قواعده الغذائية، وعاداته اليومية، وشغوفا بساعات النهار، يستمتع دوما ولكن بطريقته بكل لحظاتها.
ولكن مرض السرطان ضربه في نقطة قاتلة، وألقاه طريح الفراش، فأخفى عنه أولاده مرضه، بطرق الاحتيال والكذب الأبيض، كي يحافظ على نفسيته الإيجابية، وتطلعه لكل يوم جديد. ويوماً ما، أصابه الإحباط، من الاستلقاء، وربما تيقن في داخله أن ما به ليس أمرا عارضا.. لكنه استجمع قوته محتجا أمام الجالسين، أنه مصمم على بلوغ العام المئة، والعيش حتى الوصول إليه، مستشهدا، بآخرين من معمري القرية التي يقطنها والذين تجاوزوا المئة عام.
كانت تلك الإيجابية، في التطلع للحياة، يحسد عليها، فهي ميزة بلا شك، تتيح للمرء رؤية الحياة أيضاً من جانبها المضيء والجميل وليس فقط السيئ، كما تبقي على طاقة الاستمرار والقدرة على القتال اليومي. تذكرته، وأنا أقرأ على هاتفي منذ أيام، تصريحات لمسؤول كبير في قطاع الطاقة، يتحدث عن عدم وجود أزمة في مادة البنزين، في طرطوس، وانعدام الازدحام أمام الكازيات، مشيدا بتجربة البطاقة الذكية التي تضع الحكومة الكثير من زخمها خلفها، ومحيلا الازدحام لبدء تطبيقها. كنت أقرأ الخبر وأعيد قراءته، وأنا أتقدم كل عشر دقائق مترين، في الدور الطويل أمام محطة الوقود، والذي طال أمامي وطال خلفي، من دون الإشارة إلى من يخالف هذا الدور معاكسا السير، لأن سيارته مفيمة، أو يحمل سلاحا جاهزا للإطلاق.
بعد انتظار ساعة وربع الساعة، وتعبئة ما سمح لنا موظف المحطة فقط بتعبئته، جلت علـى محطات أخرى، محاولا التأكد، قبل إبداء الرأي، فرأيت أن الازدحام حيث كنت لم يكن استثنائيا ولا مفتعلا، وكان ذاته في المحطات الخمس الممتدة من المدينة للقرية وما بعدها، من دون نسيان أن بينها ما هو مغلق لكونه لا يمتلك المادة.
استغربت ونحن في هذا الوقت من الزمن، الذي تمتلك فيه كل أسرة عدة كاميرات شخصية، متصلة بالانترنت، بشكل يومي تقريبا، يذاع به خبر مشابه، إنكاره لا يستغرق أكثر من صورة ينشرها طفل على شبكات التواصل وانتهى الأمر.
هل هي إيجابية مبتكرة يتحلى بها المسؤولون لدينا؟ هل هي صبغة وردية لصورة سوء إدارة مخجلة؟
دون التعمق في محاولة تطبيق تجربة البطاقة الذكية، (علما أن أزمة الوقود سبقتها بأيام) على مستهلكي البنزين وهي تجربة طموحة، لكنها من دون دراسة عميقة، على الأقل من الملاحظات السريعة، يجب أن نسأل هل يكون تطبيق أي تجربة بفرضها فرضا على الناس، ومن دون حملات توعية تمهيدية، وكأنها قضاء وقدر؟ وهل الإيجابية المطلوبة، تتطلب منا القول إننا بتنا نشتري وقودنا بالبطاقة كباقي دول العالم، في الوقت الذي مازالت عمليات الشراء والبيع الأخرى برمتها تجري بحمل شوالات النقود الورقية من مكان لمكان، وعدها ليرة بعد ليرة؟
في كل التجارب التي من هذا النوع، يمكن البدء بالعمليات الصغيرة نحو العمليات الكبيرة، ويمكن القيام بالعكس أيضا، حسب الأولويات. لكن في حالتنا اليوم، دفعت الإيجابية المصطنعة لدى المسؤولين إلى اعتبار أزمة جلية تتحمل الدولة مسؤوليتها الكاملة، خطوة نحو الأمام، علما أن الأزمة لم تنته بعد.