قضايا وآراء

شؤون داخلية

| مازن بلال

ما يعمل عليه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ينتقل بشكل سريع نحو رسم ملامح باهتة في الأزمة السورية، فهو دعا روسيا وإيران وتركيا لاجتماع في جنيف لبحث اللجنة الدستورية، وهو لقاء لا يمنح مقررات سوتشي شرعية فقط، بل يتعامل أيضاً مع معادلة جديدة للقوى في سورية، فهذا الاجتماع لا يضم الأطراف التقليدية التي اعتادت الذهاب إلى جنيف لإطلاق التصريحات، ويستبدل بشكل فعلي المساحة القديمة للأزمة السورية بمعادلة إقليمية فقط، ويتمسك دي ميستورا بالنقطة المتبقية من كل سنوات التفاوض، فالدستور السوري ليس مفتاح الحل بقدر كونه كل ما تبقى من صراعات المنصات السياسية في جنيف.
عملياً فإن لقاء جنيف المرتقب يعبر عن لقاء المسارات ضمن نقطة «الشرعية الدولية» للحل السياسي، فمن سيجتمع بهم المبعوث الدولي هم من أطلق مسار «أستانا» الموازي لمسار جنيف، وفي التقاء المسارين فإن المحطات الداخلية السورية تبدو مربكة بعد أن فقد معظم اللاعبين الزخم الدولي، فبالنسبة لوفد «الهيئة العليا للتفاوض» الذي ضم في آخر لقاء في جنيف كل طيف المعارضة حسب تصور دي ميستورا، أصبح الآن دون نقطة لقاء واضحة حيث يتوزع ما بين رؤية تركيا المشوشة، وموسكو التي تسعى لإيجاد قاعدة سياسية لمرحلة ما بعد الحرب، والواضح أن هذه «القاعدة» لأطراف المعارضة في وفد «الهيئة العليا» هو ما يرسمه الأمر الواقع، فليس هناك سوى برنامج التوازنات الإقليمية والدولية الذي يحدد مساحة تحرك كل طرف.
المفارقة هي أن حرية التحرك أصبحت إمكانية متاحة لكل القوى خارج وفد «الهيئة العليا»، فالمساحات الإقليمية والدولية لم تعد متاحة إلا في حدود التوازنات الدولية، على حين تملك جميع «قوى الداخل» السوري هامشاً أوسع لرسم حضورها على المشهد السياسي، ورغم جميع التعقيدات التي يتسم به العمل في الداخل السوري، لكنه يحمل عاملين أساسيين:
– الأول هو عملية بناء القوى المجتمعية بعد أزمة كسرت الكثير من الأطر القديمة، وسواء تعلق الأمر بالانتخابات المحلية أم بجميع المبادرات التي ترسم على الأقل خطوط العمل المجتمعي القادم، فإن القوى الاجتماعية للمرحلة القادمة تتبلور ملامحها العامة عبر العمل خارج إطار ما يحدث في جنيف تحديداً.
بالتأكيد فإن إنضاج القوى المجتمعية يتم اليوم عبر تجميع وتطوير خبرات مشتتة، لكنه في الوقت نفسه يتأسس خارج النطاق التقليدي للنخب الثقافية والسياسية، وهذا الأمر يحتاج إلى قراءة دقيقة من أجل ربط السياسي بالمجتمعي بشكل فعال للحفاظ على المكون العام لسورية، المجتمع والدولة، الذي استطاع البقاء طوال سنوات الأزمة.
– الثاني عمليات البحث الاقتصادي غير البعيدة عن بناء القوى المجتمعية، فمهما كانت نوعية القرارات الحكومية، إلا أن إيجاد الاتجاه الاقتصادي لمرحلة ما بعد الحرب ترسمه تلك العلاقات التي تتصاعد بشكل واضح بين ظهور ملامح القوى المجتمعية والمحاولات الاقتصادية الرسمية أو غيرها.
ما يعانيه المجتمع اقتصادياً هو المجال الأول للعمل لكافة القوى في الداخل السوري، وإذا كانت تجربة الانتخابات القادمة لن تقدم الكثير نتيجة الوضع القائم، لكنها تعتبر إحدى الممكنات لبناء التجارب القادمة، فالمسألة ليست في نتائج الانتخابات بل بالعملية بحد ذاتها، وبما تتيح من عمليات بناء، وما ينطبق على الانتخابات يمكن سحبه باتجاه الأنشطة كافة التي يمكن أن تظهر لدعم خريطة البناء الاجتماعي – السياسي القادمة.
هناك استحقاق سوري لبناء الشؤون الداخلية بعد أن شتتها سنوات الحرب، وهذا العمل سيقرر المشهد العام بعيداً عن لقاء جنيف وغيره، ففي النهاية الذي يستطيع إيجاد الفارق هو القدرة على دفع المجتمع نحو مساحة مختلفة كلياً عن التوازنات التي يرسمها دي ميستورا بحنكة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن