«إدلب» وخيارات أميركا السوداء
| سيلفا رزوق
بشكل مفاجئ وبينما كان السوريون يعدون أيام داعش المتبقة لها في البادية، وأيام انطلاق الحملة العسكرية المتوقعة على إرهابيي إدلب، خرجت روسيا بتحذيرات من عدوان أميركي منتظر على سورية بذريعة استخدام ورقة «الكيميائي» المعهودة، في سيناريو أميركي بدا مألوفاً قبيل أي تحرك للجيش العربي السوري لاستعادة مناطق استولى عليها الإرهاب لسنوات.
الأخبار المفاجئة وربما الصادمة للكثيرين، ولاسيما أن المعارك التي سيتم استخدام ذريعة «الكيميائي» فيها لم تشهد أي حراك عسكري فعلي بعد، وكانت الاتصالات والتحركات السياسية لا تزال تصبغ المشهد الدولي والروسي على وجه التحديد، تمهيداً لما سيأتي من معارك شمالاً تنهي وجود القاعدة وداعش، وتغلق أحد أخطر منافذ الإرهاب الحدودية مع الداعم التركي.
الباحث في التفاصيل السياسية التي سبقت مشهد التحذير الروسي ربما كان سيجد ضالته في فهم أكثر لحقيقة وطبيعة العدوان الأميركي المتوقع، والتحركات الروسية والإيرانية التي تلت هذا المشهد.
موسكو التي كشفت عن النيات الأميركية كانت واضحة في تصريحاتها عندما أشارت مباشرة إلى أن هذه التهديدات حملها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا، حيث تنبأ من هناك بوجوب حصول استخدام للأسلحة الكيميائية خلال المعارك التي قد يقودها الجيش العربي السوري في إدلب، وأكد للروس بأن رد بلاده سيكون «ساحقاً» ليتبع ذلك بوصول المدمرات الأميركية إلى الخليج استعداداً للعدوان الجديد.
بولتون الذي كان قادماً من تل أبيب لم يكن بالتأكيد يحمل رسائل غير تلك التي تريدها إسرائيل، وبالنظر إلى اللقاء الذي جمعه مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو فإن الكلام تلخص بعبارة واحدة حملت عنوان «إخراج إيران من المنطقة»، بل زاد عليه الضيف الأميركي بالإعلان عن التوصل إلى آليات لبلوغ الهدف الإسرائيلي الأميركي المزدوج.
المحادثات الأميركية الروسية في موسكو لم تدم طويلاً ولم يخرج الطرفان في مؤتمر صحفي مشترك، كما لم يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضيف الأميركي حامل الرسائل الإسرائيلية، ليدلل المشهد برمته على خلافات بين الطرفين، رغم إصرار بولتون على نفي الأمر، وتركيزه على الدعوة لخروج إيران من المنطقة من دون التعريج على حقيقة النيات العدوانية والتهديدات ضد دمشق.
القراءة في تفاصيل المشهد السياسي الذي سبق الكشف عن النيات الأميركية ضد السوريين، تكشف حدثاً لا يقل خطورة عما يجري التحضير له في المنطقة، عنوانه الصراعات الداخلية في الإدارة الأميركية نفسها، والتي أفضت تصريحات على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حجم خطورة المشهد الداخلي الأميركي والأزمة الكبيرة الحاصلة داخل المطبخ السياسي والجماعات المكونة للإدارات الأميركية، فإعلان ترامب بأن محاولات عزله «ستؤدي إلى انهيار اقتصادي في البلاد»، هو تصريح لا يمكن تمريره بهذه السهولة ويكشف أمرين كبيرين، أولهما السعي الجدي داخل أروقة الحكم الأميركية لعزل ترامب، ويكشف على الضفة المقابلة حجم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أميركا، والتي دفعت بترامب للانسحاب من معظم الاتفاقات والمنظمات الدولية التي تتسبب بهدر في الخزينة الأميركية، وكانت السبب في اندلاع أزمات سياسية بين أميركا والكثير من الدول كان آخرها ما جرى مع كندا وألمانيا.
من هنا وبالنظر إلى التاريخ الأميركي في الهروب من الأزمات الداخلية، فإن استدعاء الأساطيل واستنفار الجيوش للعدوان على شعوب المنطقة شكل سياسة أميركية ثابتة على مر الرؤساء الأميركيين الذين عانوا ما يعانيه ترامب اليوم.
عوامل إسرائيلية وأخرى داخلية دفعت إلى هذا التصعيد المفاجئ وربما الخطر جداً ضد سورية وضد السلم العالمي كما عبر أحد المسؤولين الروس قبل يومين، ليعود التساؤل مجدداً، ماذا عن رد الفعل المقابل، وكيف لسورية استيعاب الهجمة الأميركية الغربية ضدها، وهي التي نجحت في اجتياز أقسى فترات الحرب ضراوة طوال السنوات السبع الماضية؟
الرد السوري المباشر على الرسائل الإسرائيلية كان سريعاً، مع استقبال دمشق وزير الدفاع الإيراني على رأس وفد عسكري رفيع يلتقي كبار المسؤولين بالدولة السورية، وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد، في رسالة واضحة المعالم لا تحتاج للكثير من التأويلات، بأن التحالف مع طهران والمقاومة ثابت، وأي محاولات إسرائيلية أميركية وعربية متجددة لفك هذا التحالف لن تأتي أكلها، وخصوصاً مع مرور سنوات الحرب القاسية التي قاتل فيها الحلفاء جنباً إلى جنب.
الرد السوري السياسي الآخر سيحمله وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم إلى روسيا في زيارته المنتظرة خلال أيام وربما ساعات، حيث التنسيق مع الحليف الروسي في أعلى مستوياته ومعركة إدلب لن تخاض إلا بالترتيب السياسي والعسكري مع موسكو.
يبقى إذاً الرد العسكري الذي بدأته روسيا بإعلان إرسال عدد من السفن و«الفرقاطات» إلى الساحل السوري، ودعوة روسيا للدفاعات الجوية السورية أن تكون على أهبة الاستعداد، وهي دعوة لا يحتاجها السوريون ولا جيشهم الذي أثبت بطولة منقطعة النظير تشهد لها بقايا «التوماهوك» المحطمة على أسوار المدن والقطع العسكرية السورية.
الأيام المنتظرة أيام صعبة بلا أدنى شك، لكنها لن تكون أشد صعوبة مما اعتاده وعرفه السوريون الذين حددوا خياراتهم وقرروا المسير نحوها مهما كلف الثمن.