ثقافة وفن

«الريشة البيضاء» تنشر فرح أحفاد «القباني» في مسرحه

| أحمد محمد السح

يمكن وصف الأجواء في مسرح القباني خلال عروض العيد التي خصصها لمسرحية «الريشة البيضاء»، بالتفاعلية التي تُغلِّب فرح الطفولة وتنشرها في كل أرجاء المسرح، المسرحية التي عرضت خلال عيد الأضحى المبارك مؤخراً ستتابع عروضها في الأيام القادمة، قبيل بدء العام الدراسي الجديد، فقد اعتمد «وليد الدبس» مخرج ومؤلف العمل على حكاية خيالية بسيطة جداً، تشبه الكثير من الحكايا التي عرفناها في طفولتنا، التي تنتهي بانتصار الخير على الشر وزواج الحطاب من الأميرة؛ تؤديها الشابة «جودي الزاقوت»، طارحاً مشكلة عجز الأميرة عن الكلام، لتكون رحلة البحث عن علاجها مهمة للحطاب النشيط محب العمل همّام «مؤيد الخراط»، وله رفيق خاص هو قرّود تؤديها الممثلة «سيرينا المحمد» التي يبدأ العرض بأغنيتها وقفزاتها، مع مكياج خاص «نور الخطيب» استطاع مع نشاط الممثلة سيرينا محمد وقفزاتها وإمساكها بالخشبة طوال العرض من دون أن ينخفض أداؤها أبداً، مع أن هذا النوع من الأداء يتسم بصعوبته لأنه يقوم على الإيهام، وحدوث اتفاق ضمني بين خيال الطفل وتقنيات الممثل، على حين أن من يراه أمامه هو الشخصية فعلاً وليس الممثل الذي يؤدي هذه الشخصية الكارتونية، وكثيراً ما أخفق عدد من الممثلين في أداء من هذا النوع لأن الطفل استطاع بذكائه أن يقشّر ما على الممثل من ملابس ومكياج فلم يقتنع بشخصيته الكرتونية هذه، على حين نجحت سيرينا محمد بأن تحول الأطفال جميعاً إلى قرّود وظهر ذلك خلال الاستراحة خلال العرض، وعلى القوة نفسها في الأداء الكوميدي استطاع الممثل «باسم عيسى» أن يؤدي شخصية الديك، ويقرأ بيانات الملكة «عايدة يوسف» مدخِلاً صوت الديك بحركة ذكية أحبها الأطفال وحاولوا تناهب ريشاته وهو يعبر بينهم لاقتناعهم بأنه الديك الملون والأحب إلى قلبهم، لكن ضعف طاقة الصوت عند الممثل باسم عيسى والممثل «ناصر الشبلي» الذي أدى شخصية خربوش جعلهما غير قادرين على التفوق على ضجيج الأطفال وتفاعل صرخاتهم في المسرح أحياناً، فالأداء للمسرحي بشكل خاص ولمسرح الطفل بشكل أكبر يحتاج إلى طاقة صوت مضاعفة يستطيع فيها التغلب على صخب الأطفال وتعليقاتهم البريئة، وبينما نجح مؤيد الخراط أن يكون نموذج الحطاب الطيب الذي لا يعمل طمعاً بالمكافأة كما هو خربوش منافسه الشرير الذي يحاول سرقة تعبه، لولا تدخل حارس الغابة التي أداها الطفل «ميار الدبس».
بدت الملابس المبالغ فيها عاملاً جاذباً للأطفال فالطفل يحب الألوان الفاقعة، والملابس المنتفخة، وهو ما اشتغلت عليه مصممة الملابس «سهى العلي» مجترحة من الذاكرة ما كنا نحب في طفولتنا من فساتين للأميرات اعتمدته مع الملكة والأميرة والدبدوب وقرود وكل الشخصيات، حتى سُمِعت صرخات الطفلات بشكل خاص عندما ظهرت الملكة وابنتها معجبات بالفستان ما يعني نجاحاً وانتصاراً للعقل الجمعي عند الأطفال من خلال الملابس وهو ما لم يهمله المخرج ولا أي من فريق العمل.
وقد استطاع الفنان محمد وحيد قزق، خلق مسرح تفاعلي من خلال جسر خشبي، يعبر فوق الكراسي ويربط خشبة المسرح بالباب جاعلاً الممثلين يرقصون ويغنون ويتفاعلون مع الأطفال من خلاله؛ حتى إن خروجهم وذهابهم إلى العمل والمغامرات كان من خلاله، مع أن فكرة الجسر الخشبي هذه أكلت عدداً من الكراسي المخصصة للحضور لكنها كانت الحل الأفضل لحدوث هذا المستوى التفاعلي، فربما لوكانت صالة المسرح مصممة بشكل مختلف وكانت أكبر لما كانت مشكلة الكراسي ستحدث، لكن هذه المشكلة ربما شعر بها الكبار لا الأطفال -أهل العرض- فهم صفقوا وغنوا ورقصوا متجاهلين الكراسي ووجودها. وهذا نجاح يضاف إلى المسرحية فلو أن ريتم العمل انخفض لعدة دقائق لأبدى الأطفال انزعاجهم وغضبهم، فالطفل لا يجامل لكن وجوههم الباسمة واحتفالهم المتواصل عرضت الرضا التام عن العرض. ربما كان من الممكن تأليف موسيقا وألحان وأشعار أقوى من التي عرضت على الخشبة فالأغاني كان وقعها صعباً ومن الصعب حفظها، فكلنا يعرف أن شعر الأطفال له خطورته وتقنياته الصعبة التي تريد إظهار البساطة أكثر وأكثر لخلق أغنية يحفظها الطفل، وقد ظهر ذلك من خلال موسيقا «أيمن زرقان» التي اتكأ فيها على أغان معروفة مبسطاً الجملة الموسيقية ما استطاع، فسمة الموضوع التي ختم فيها العرض كأغنية التي يقول «ما أجمل الكلام كرفّة الحمام – ما أجمل الكلام نلقي به السلام «لم تجعل منها أغنية محفوظة تثير صخب الأطفال ليغنوها معهم رغم تكرارها، الرقصة الأجمل والأكثر إبهاراً بدت مع ظهور البجعات وسيدة البجعات الممثلة «رباب كنعان» التي يسجل ظهروها الخاص هذا عودةً خاصة منها إلى المسرح، أعطت للخيال من خلال رقصة الباليه اللطيفة للمصمم «رأفت زهر الدين» والملابس البيض الراقية كل ما يمكن حشده في خيال الطفل عن سر المغامرة وجمال الوصول إلى الهدف، كما استطاعت لمسات الإضاءة لبسام حميدي أن تبرز في كامل جمالياتها في هذا المشهد بالذات، مع مشهد تخيل الأميرة حصولها على الريشة قبل حصولها عليها. الممثلون استطاعوا الوصول إلى قلب الجمهور فالدبدوب «فادي حموي» وتقسيمات خربوش وغناؤه على الجسر الخشبي حاز الكثير من التصفيق رغم أن اللعبة هنا بدت خطيرة فقد كان من الممكن لهذه التقسيمات الشرقية ألا تنال إعجاب الأطفال، لكنها خففت من غضبتهم عليه.
أن يمتلئ المسرح بالحضور من الأطفال وأن يحضر السوريون أولادهم في أيام العيد إلى المسرح ويتفاعلوا هي خطوة لابد من الوقوف عندها وتشجيعها دائماً، فهؤلاء هم آباء لأبناء في المستقبل وسيظل المسرح عالقاً في خيالهم وحبه نابعاً في قلوبهم، ولذا فإن هذا ما سيجعل روح جدهم أبي خليل القباني في سلام مطمئناً أن تضحياته للمسرح لم تذهب سدى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن