ثقافة وفن

شاهد على الواقع

| د. اسكندر لوقا

إن لم نقل إن الكتابة وظيفة ترتب على صاحبها مسؤولية بشكل أو بآخر فهي، من حيث المبدأ، مسؤولية وطنية بحد ذاتها. وهي، ضمن هذه المعادلة، لابد أن تتفاعل مع قضية ما ذات مدلول خاص أو عام، بمعنى سواء كانت القضية سياسية أم اجتماعية أو ثقافية، وكلما ابتعدت الكتابة عن تلبية غاية شخصية كانت، بالتالي، أقرب إلى رسالتها في الحياة، وإلا انقلبت إلى ما يشبه الوردة الاصطناعية مهما كانت أنيقة لا قيمة لها إن لم يكن لها أريجها، وبالتالي تبقى الكتابة بذلك بعيدة عن ساحة الرؤية كما الإناء الحامل للوردة في زاوية ضيقة من زوايا صالون في منزل.
الكتابة، لها دورها في إشاعة الدفء في نفس القارئ في حال انتشار عبقها بين الناس، وتزداد قربا منهم بمقدار ما تكون قادرة على نقل هواجسهم إلى الآخرين، ولهذا الاعتبار تبقى الشاهد على واقع له حضوره الدائم حتى في الأزمنة التالية لزمن كتابتها. ومن هنا يستشعر الكاتب الملتزم بقضية تعنيه يشعر بمسؤولية تقع على كاهله ويصعب عليه أن يتخلى عنها مهما كان نوع وحجم إغرائه في سبيل حرفه عن طريقه.
وفي تاريخ البشرية، كثيرون من الكتاب دفعوا الثمن غالياً حتى من حياتهم كي ينحرفوا عن رسالتهم في الحياة وبقوا صامدين حتى ساعة رحيلهم عن دنياهم. ومن هنا تكتسب الكتابة قيمتها الأخلاقية في الوقت ذاته، ولا تسقط في تجربة الإغراء أياً كان مصدره ولأي سبب شبيه بالإغراء، ذلك لأن الكلمة، في سياق الكتابة، حياة ومن العبث جرها إلى حافة الهاوية في حال كونها مرتبطة بوظيفة الارتقاء بالإنسان بغض الطرف عن لونه أو جنسه وبغض النظر عن استجابته لما تقوله الكلمة في مسارها بين الناس.
ومن المعروف أن الكتابة، بمقدار ما تعبر عن الواقع، تكتسب صفة الخلود وتكون شاهداً على واقع لا تزول أصداؤه في الذاكرة البشرية، كما اللوحة الفنية التي تصور واقعاً مرئياً، ويصعب على الآخر محو معالمها وذلك على نحو استحالة محو تبعات أي كلمة كانت شاهداً على واقع، في زمن ما، وسبق أن وردت في كتاب عادي أو في مرجع علمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن