ثلاث دقات من التأمل … ما الذي يجري داخلك في هذه اللحظة؟ وكم نستغرق لنجيب عن هذا السؤال؟
| سارة سلامة
صدر حديثاً عن وزارة الثقافة، الهيئة السورية للكتاب كتاب بعنوان «ثلاث دقات من التأمل» ليأخذ القارئ إلى عالم مفعم بالطاقة الإيجابية تمكنه من تحرير مكنوناته الدفينة، ويقدم مجموعة من التمارين التي من شأنها أن تساعد المرء على التأمل وتغيير أسلوب حياته إلى آخر أكثر إيجابية، ويرى العالم جميلاً، وصديقاً يقدم له خدماته التقنية التي تسمو بإنسانيته إلى مستويات أرقى، من تأليف كريستوفر أندريه وترجمة آلاء أبو زرار.
ويحتوي الكتاب بين دفتيه أربعين تمرين تأمل بغية فتح فواصل من الوعي الكامل طوال النهار، ومن الممكن لهذه التمرينات أن تشكل محفزاً يمنحنا حب الذهاب إلى أبعد من ذلك، وإن كنتم قد تأملتم من قبل يمكن أن يكون وسيلة لتجديد ممارستكم الشخصية.
واستهل المؤلف الكتاب بإهداء لصديق عزيز حيث قال: «إلى صديقي لوتشيو بيتزيني، لاعب كرة القدم، والطبيب النفسي، الذي يتمتع بمستوى عال من الحرفية، هو الذي فعل الكثير في الظل وبتكتم لكي ينشر فكرة الوعي الكامل في البيئة الفرنسية وفي فكري: لك حبي وإعجابي وامتناني».
إدراك الحالة الداخلية
من المدهش ملاحظة كم نحن مغيبون عن أنفسنا، لا يعني الأمر أن نفكر بحياتنا بل يعني أن نلتفت نحو هذه المعرفة بذاتنا البسيطة والمحبة التي تقوم على أن نعرف بانتظام أين نحن من أنفسنا، هنا والآن، ما حالة جسدنا؟ هل هو مشدود؟ متشنج أم هادئ؟ أين يوجد فكرنا؟ هل هو في الواقع أم إنه في الجانب الافتراضي؟
كم مرة في اليوم نتوقف لنسأل أنفسنا هذا السؤال البسيط: «ما الذي يجري داخلك في هذه اللحظة؟» وكم من الوقت نستغرق لنجيب عن هذا السؤال؟ كم هو سخيف إهمالنا لأنفسنا.
انتبهوا يجب ألا نكرز طوال الوقت على أنفسنا مثل مريض بالوسواس القهري منزعج من أصوات جسمه، أو كشخص نرجسي مشغول باستمرار بمظهره، فالأمر يعني أن أتصرف كإنسان يحترم نفسه ويأخذ دوماً وقته ليتوقف ويستمع لنفسه ويفهم نفسه.
تخيلوا زوجين لا أحد منهما يسأل عن الآخر، عن حاله قط، ولاسيما في أوقات الريبة والاضطراب والصعوبات، تلك هي العلاقة الغريبة التي نشكلها مع أنفسنا، فلنأخذ وقتاً لنسأل أنفسنا عن حالنا بود وبساطة.
حيث يقوم التمرين على اتصالنا بكل مكونات تجربتنا الداخلية من دون محاولة الحكم عليها ولا تغييرها، على الأقل في بادئ الأمر.
متى نقوم به؟ كلما شعرنا بالشك والضعف والقلق، وكلما شعرنا بصعوبة في إتمام مهمة، وبصعوبة في التركيز وفي فهم ما يجري، أو بكل بساطة في كل مرة لا يكون لدينا شيء ذو قيمة أو شيء طارئ لإتمامه.
عندئذ نتوقف ونراقب نراقب أولا تنفسنا، نستشعر بحركات تنفسنا ثم نكون حاضرين لكل الأحاسيس الجسدية، سواء أكانت محببة أم غير محببة، فلنكن حاضرين لطبيعة أفكارنا وللصور الحاضرة في ذهننا، ولنكن حاضرين للمشاعر العاطفية: وكيف يترجم ذلك على جسدنا؟
يجب أن نتوقف ونأخذ نفساً ونستشعر ونراقب أفكارنا، وهكذا نكون قد عرفنا بشكل أفضل أين نحن من أنفسنا الآن، وبكل الأحوال في أي حال نوجد.
ربما سنتمكن من أن نفهم بشكل أفضل ما نفعله إن كان هناك شيء نقوم به لأن هذا الوقت المخصص للتقرب من أنفسنا هو في الأغلب وقت استكشاف.
المشي بكامل الوعي
كل الصور والأفكار المسبقة عن التأمل تبين لنا الأمر نفسه: شخص جالس بلا حراك، وجهه مركز وعيناه مغمضتان وأحياناً يبدو عليه الغباء قليلاً، ولكننا لسنا بالضرورة بحاجة للبقاء بلا حراك لكي نتأمل، ولسنا بحاجة لكي نبدو حمقى، فهناك تقاليد كثيرة تقترح ممارسة التأمل أثناء المشي، ينبغي أن نمشي ببطء وأحياناً ببطء شديد مع التركيز على كل خطوة نخطوها، وعلى كل حركة تشكل خطوة واحدة.
قد يبدو ذلك غريباً في البداية ولكن هذا الشعور سيمضي وسنفهم شيئاً فشيئاً الغاية من التمرين، وبالنظر للتمرين من الخارج فالأمر أكثر غرابة وأنصحكم بأن تباشروه وحدكم بمنأى عن النظرات، في غرفة هادئة، أو مكان لا يراكم فيه أحد.
قفوا وباعدوا بين ساقيكم واستعدوا للمشي لكن لا تمشوا، ليس بعد… حافظوا على قدميكم على الأرض، تأرجحوا أولاً من اليمين إلى اليسار وإلى الأمام وإلى الخلف لكي تراقبوا بشكل أفضل توازن جسدكم.
والآن خذوا قراركم بالقيام بالخطوة الأولى، دعوا جسدكم يقم بها، فهو معتاد على ذلك، ولكن راقبوا جيداً ما يجري، ابدؤوا بروية، امشوا، هل لاحظتم كيف، قبل حتى أن تتحرك سيقانكم، إن جسدكم انحنى لكي يستند على الساق الأخرى؟
الامتنان
الامتنان هو وعينا لما نفعله للآخر وما يرافق هذا الوعي من شعور محبب، إن فكّرنا بالأمر قليلاً، فإن الامتنان شعور فاضل لأنه بشكل عام كل أو تقريباً كل، ما لدينا في حياتنا، هو من فاضل الآخرين أو على الأقل جزء منه.
لهذا السبب من الخطأ، ومن الوهم ألا نعترف بفرح وبتواضع بكل ما نفعله للآخرين على حين أن تقبل الأمر والتمتع به يجعلنا أكثر وضوحاً وقوة بل أكثر سعادة.
ولهذا فإن العمل على الامتنان يعد جزءاً من العديد من التمارين في التقليد التأملي.
اجلسوا وأغمضوا أعينكم، تموضعوا في اللحظة الراهنة، ارتبطوا بهدوء بتنفسكم.. بجسدكم.. وبالأصوات المحيطة بكم.. ارتبطوا بكل ما هنالك.
مهما يكن.. في هذه اللحظة كونوا ببساطة حاضرين في العالم كما هو، وبروية، دعوا، في الفوضى، وجوه الأشخاص الذين ساعدوكم، تدخل ذهنكم من قريب، في لحظة ما من حياتكم، سواء أكانوا أهلاً، أم معلمين، أو أقرباء، أو أصدقاء، أو زملاء، وربما يكونون غرباء تماماً.
أدركوا أنهم اختاروا، في لحظة من حياتكم أن يمنحوكم حبهم واهتمامهم ووقتهم ونصائحهم، ومساعدتهم المادية.