ثقافة وفن

تظاهرة مسرح الأطفال في مناسبات الأعياد هل تشكل حافزاً؟ … وليد الدبس لـ«الوطن»: الأطفال الخارجون من الأزمة هم جيل مدّمر عاطفياً ومهمتنا إعادته إلى براءته

| سوسن صيداوي

لأن شأن الطفولة أمر في غاية الأهمية والعناية به أمر بالغ الدقة والحذر، خاصة في هذا الوقت الحرج الذي تمرّ به سوريتنا الوطن، ولأن المعنيين يسعون بكل ما هو ممكن ومتاح للإحاطة بهذا الكائن الصغير، فالجهود تُبذل- رغم شح الإمكانات المطروحة- كي تلفت نظره وتستحوذ على اهتمامه وتُطلق العنان لخياله، بحثا عن أمل جميل لحياة واقعها مرّ، ولكن مفاتيحها يسهل امتلاكها بالتلقين والتربية والتعليم المرفق بالمرح واللهو الذي يقدمه أبو الفنون المسرح، لأن الأخير قادر على تقديم ما لا يمكن للمدارس أو حتى الجامعات تقديمه، فالتجارب العالمية القديمة والحاضرة منها عِبرها مأخوذة وملموسة، لهذا في فترتنا الحالية وبرعاية وزارة الثقافة-مديرية المسارح والموسيقا- قدمت وما زالت ضمن تظاهرة «فرح الطفولة»، تقدم للأطفال التي انطلقت عروضها بمناسبة عيد الأضحى وتستمر لما بعده في عروض تتفاوت مدتها بين الساعة والساعة والنصف، وهي: أرنوب الحكيم على مسرح العرائس، فلة والأقزام السبعة على مسرح الحمراء، خفيف وظريف على مسرح حديقة تشرين، وأخيراً الريشة البيضاء على مسرح القباني.
صحيفة «الوطن» تابعت العرض الأخير من أيام التحضيرات من تركيب الديكور والإضاءة، مع البروفات والتقت العاملين، بداية من كاتب النص ومخرجه وليد الدبس، إلى هندسة الديكور محمد وحيد قزق، وبعضاً من الممثلين ولكن نذكر أسماء كل المشاركين: سيرينا المحمد، مؤيد الخراط، باسم عيسى، عايدة يوسف، فادي حموي، ناصر شبلي، رباب كنعان، داود شامي، جودي الزاقوت، والطفل ميار الدبس.

خلطة أمل بخيال

«الريشة البيضاء» عرض معاد، ولكن وعلى الرغم من مضي السنين التي تفصل بين العرضين الماضي والحالي، فإن همّ كاتب النص وليد الدبس ومخرجه، ما زال الطفل السوري، من حيث إطلاقه على التعبير وإبداء الرأي من دون أن يفقد شيئاً من براءة طفولته التي تغيّر ملامحها الحياة أولاً ومن ثم الحرب ثانياً حيث يقول: «علينا أن نعلّم أطفالنا ونبدأ معهم بثقافة جديدة فرضتها الظروف الراهنة، عليهم تقبّل الآخر كي نساعد الأخير على تصحيح أخطائه. وبصراحة هناك أشخاص قرؤوا النص، ووجدوا بأن الشخصية الشريرة(خربوش) التي يؤديها الفنان ناصر الشبلي، محببة للأطفال لأنها تضحكهم، واعتبروا الأمر مستغرباً وغير مقبول، ولكنني تمسّكت بالشخصية من منطلق، حتى لو أن الشخصية الشريرة تبدي لنا المرح وتُظهر الود، إلا أن من واجبي في متابعة الشخصية من خلال الكتابة وبعدها الإخراج أن أدفع الطفل لاكتشاف الجانب الشرير بالشخصية وأن يكون هو الحكم ويأخذ القرار من خلال رفضه لأفعال شخصية «خربوش» لأنه سارق للريشة. إذ ما يهمنا في النهاية أن يتعلم طفلنا ألا يحكم على الأشياء من شكلها الخارجي، بل عليه أن ينظر إلى الداخل». وعن الإضافات الجديدة في العرض واستخدام تقنيات جديدة منها خيال الظل يقول المؤلف: «كي ننجح في إثارة اهتمام الطفل في العروض علينا أن نحرك خياله، وبالطبع هذا أمر فيه الكثير من التعقيد، ولكن ومن خلال شاشات خيال الظل ونماذج بسيطة كشجرة مثلاً أو مجسمات لأبنية ملونة الشبابيك، يمكن لخيال الظل مع الإضاءة أن يمنح الطفل مدى واسعاً للتخيّل بأن هناك غابة حقا أو قصراً وقرية إلى آخره من التفاصيل. كما أحب أن أشير إلى أن هذه التفاصيل تقدم للطفل رؤية بصرية يمكن أن تدفعه لاكتشاف الإبداع الكامن في داخله، كي يصبح فنانا تشكيليا أو مهندس إضاءة أو ممثلا، أو أن يكون موسيقيا، أو مثلاً أن يأخذ القرار بأن يصبح شاعرا، فمن هذه الحالات يمكن أن نسلط الضوء كي يقرر الطفل وتكون خياراته صحيحة». وحول الطفل السوري -طفل الأزمة- يشير المخرج قائلاً: «اليوم مهمتنا أصعب لأن علينا أن نتوجه إلى جيل الأطفال الخارج من الأزمة، فهو جيل مدمر ثقافياً ونفسياً وعاطفياً وحتى عصبياً، فعلينا أن نعيده إلى براءة طفولته الحقيقية. هذه المهمة تحتاج إلى بدايات جديدة وإلى تضافر جهات كثيرة، لأن الأطفال هم من سينهضون ويبنون الوطن». وعن أهمية المسرح وضرورته في تربية الطفل وإطلاقه نحو المجتمع يضيف «في هذا الوقت بالذات المسرح هو المساعد الأساسي في بناء طفل سوري أفضل، لأن المنبر القادر على تقديم أمور تختلف عما تقدمه المدرسة، وسعينا لتقديم إضافات كالإثارة البصرية وخيال الظل والموسيقا، لمدة ساعة ونصف الساعة، بعين فيها الكثير من الجمال والأمل كي ينسى قبح الحياة الماضي». أما عن النص والأسلوب الأدبي فيقول: «بالنسبة للنص من حيث الأسلوب الأدبي فأنا لا أخرج نصوصاً لغيري وأقوم بتأليف نصوصي. للأسف أدب الأطفال ونصوصه المسرحية شحيحة، نحن نعاني أزمة نص، والأمر طبيعي فالكاتب لا يحصل على ثمرة تعبه، والمردود لا يشجعه على المثابرة والمتابعة لتحسين أدائه، لكن وبالمقابل هذا لا يسّوغ أن نستسهل، فالكتابة هنا معقدة وتتطلب حيزاً كبيراً من التفكير والجهد، وعلينا أن نفكر بطريقة الطفل ونوصف مشاعره الحقيقية، مع رؤيته الخاصة للأمور. إذ نحن بحاجة إلى تكثيف ودعم أكبر لهذه النشاطات المسرحية كما أسلفت، لأن مسرح الطفل مؤهل أكبر لحياة الطفل بما يقدمه إلى جوار المدرسة والتربية».

قصة الريشة البيضاء

عن قصة المسرحية يوجز المؤلف وليد الدبس «الأميرة غير قادرة على الكلام، والطبيب يقترح أن علاجها الوحيد هو إحضار ريشة البجع من بحيرة البجع، ومن بين الشخصيات يتطوع اثنان: «همام» الحطاب الشجاع مع صديقه «قرّود»، والشخص الآخر«خربوش» الكسول والعاطل دائماً من العمل، فيتعرضون أثناء السير للمخاطر، وفي أثنائها «خربوش» يختفي عن الأنظار، على حين«همام» يصل إلى البحيرة وتعطيه سيدة البجعات الريشة، هنا وأثناء نوم «همام» يسرق«خربوش» الريشة، ليأتي«دبدوب» ويحرّضه بأن يكون إنساناً إيجابياً، ويخبر«همام» بالأمر، في اللحظة الأخيرة يكشف حارس الغابة الحقيقة للملكة ضمن أحداث وأغان ممتعة تضفي جوا من التسلية خلال ساعة ونصف الساعة».

للطفولة دور

من جانبه تحدث الطفل ميار الدبس عن مشاركته في العرض«عمري اثنا عشر عاما، وهذا أول دور لي، وشخصيتي حارس الغابة الذي لا يسمح لأحد بقطع الأشجار، ودائما يطلب من«همام» الحطاب بأن يقطع الشجرة اليابسة فقط وأن يزرع عوضا عنها شجرة أخرى، والحارس هو من يكشف سرقة «خربوش» للريشة البيضاء، ويخبر الملكة. وفي النهاية أنا لا أجد التمثيل أمراً صعباً وأحلم بأن أصبح ممثلاً».

للديكور قصة

بين ما قدّم من خمسة عشر عاماً وبين ما يقدم اليوم هناك الكثير من الحداثة والعصرنة الموظفة بالشكل الصحيح كي تخدم النص من حيث الديكور، وحول هذا الموضوع حدثنا محمد وحيد قزق مضيفاً: إنه قام بتأليف أغاني المسرحية، ومن البداية في الحديث «الريشة البيضاء عرض معاد، وما قدمته في الوقت الحالي وبالاتفاق مع المخرج، أمر مختلف تماما وفيه من الحداثة، حيث بدأت بمعالجة أرضية المسرح، وحتى من خلال شاشات الخلفية البيضاء التي ستساهم مع الأرضية في إعطاء ألوان مبهجة في تفاعلها مع الإضاءة، الأخيرة المتناسبة مع حركة راقصي الباليه الذين يمثلون البجعات، وعبر الشاشات سوف سنقدم خيال الظل الذي سيساهم في إثارة خيال الطفل وإضافة المتعة مع التأثيرات المرافقة. إذاً الديكور الحالي فيه الكثير من الحيوية ومساعد جداً للمعطيات الجديدة، ولكن ضمن حدود العرض القديم. وفي النهاية همي وهدفي الأساسي أن أتمكن من زرع الفرح في قلب كل طفل يأتي لمشاهدة العرض».

رأي الحطاب

قام بدور الحطاب الشجاع «همام» الفنان مؤيد الخراط وفي شخصيته هو يحب العمل ويكره الكسل، ويضيف: إنه يسعى من خلال دوره إلى تعزيز القيم ومثل الحياة الأساسية، متابعاً «نحن من خلال مسرح الأطفال بالعموم، ومن خلال عرض الريشة البيضاء، نسعى لتأكيد القيم كالخير والعطاء وحب الحياة والتضحية، كي نتمكن من المساهمة في بناء جيل مثقف وصادق، بعيد عن الجهل وما يورّده لنا الغرب الاستعماري. وأحب أن أشير هنا إلى نقطة في غاية الأهمية وللأسف هي أزمة حقيقية في عالمنا العربي، وهي النظرة الدونية والاستسهالية لمسرح الأطفال والمناقضة تماما لنظرة الغرب وتقديرهم لهذا المنبر ولكل العاملين فيه معنويا وماديا، هنا لن أتوقف لأنني وبكل صدق أصابتني عدوى حب مسرح الأطفال وأبذل قصارى جهدي كي أرسم بسمة على شفاههم وأساعدهم قدر الإمكان على التفكير بإيجابية وأمل».

تعبير صامت

من جانبها عبّرت الأميرة جودي الزاقوت عن هذا الدور في المسرحية وهو الأول بأنه صعب لأنها لا تتكلم أو تنطق بحرف، فتقول: «أنا طالبة في السنة الثانية في كلية الإعلام والمسرح شغفي منذ الصغر، دوري إيمائي لكوني خرساء ولا أتكلم، بل أعبّر من خلال العزف. والأصعب أنه علي أن أوصل الفكرة للأطفال بحركة يديّ مثلا أو تعابير وجهي أو حركتي. هذه تجربتي الأولى ولكنني متأكدة أن الرهبة سأنساها عند رؤية وجوه الأطفال وتفاعلهم معنا».

مسرحيّ بامتياز

هذه مشاركة من مشاركات عديدة لفنان متعلق قلبه بخشبة المسرح سواء أكانت العروض مخصصة للكبار أم للأطفال إنه الفنان فادي الحموي الذي لا يجد عمله المسرحي صعباً بل الصعب هو الظرف المفروض قائلاً: «أنا أعشق التمثيل على خشبة المسرح، لهذا لا أجده صعباً، لكن الصعوبة في الظرف وفي المستوى المادي، أو في ظروف العرض لأن البلد كان يمر بأزمة موجعة، ولكننا على الرغم من كل ذلك ما زلنا نعمل، ونحاول أن نقدم ونستمتع ونُمتع الطفل. وهذه ثاني تجربة لي مع المخرج وليد الدبس، وأنا سعيد بالعمل معه لأنه شخص مدرك ولا يستسهل أبدا عقل الطفل أو مشاعره، إضافة إلى كونه كاتب العمل ومخرجه وهو مهتم بكثير من التفاصيل، فمن خلال شخصيتي دبدوب والشخصيات الأخرى كقرّود، الأطفال لن يروها حيوانات بل قام بأنسنتها، وبالمقابل الإنسان -في المسرحية- هو الشرير. في النهاية التجربة لطيفة وممتعة جداً».

شخصية بأداء محترف

تجسيد الشخصية ليس بالأمر السهل فكيف إن كانت تمثّل الفنانة وتؤدي دور«قرّود» صديق الحطاب، إنها الفنانة سيرينا المحمد خريجة المعهد العالي، التي لها العديد من التجارب السابقة للأطفال-قبل المعهد- ولكن هذه التجربة الأنضج بحسب قولها وتتابع «العمل مع الأطفال ممتع جداً لأنه يعطي مساحة من الحرية للممثل، كما يفيده كخبرة مهنية. بصراحة أنا متمسكة بالطفل الساكن في داخلي، كي أستطيع أن أكون أقرب من عفوية الأطفال وطريقة تفكيرهم. ولكن يؤسفني جداً كون مسرح الأطفال مهملاً مقارنة بالتجارب الخارجية، ولا يمكننا أن نرجع السبب للأزمة، فالمشاكل موجودة من قبل الأزمة، لهذا أتمنى وجود دعم حقيقي، فنحن نطمح له ونطالب به ولن نيئس أبداً، وعن نفسي سأسعى دائماً إلى أن أقدم الشخصيات وسأبحث بخصوصها وأقدمها كما لو أنني أمثّل لأول مرة».

أهمية الصوت

من جانبها أوضحت الفنانة عايدة اليوسف أهمية الصوت من حيث القوة في حضوره وتأثيره في الحضور وخاصة أنها تعمل في مجال الإعلام المرئي والمسموع مضيفة «مهما كان الصوت جميلا فلن يصل إلى الجمهور بالشكل الناجح إذا كان ضعيفاً، بل يجب أن يملأ الصوت فضاء المسرح من دون أن ينفّر الجمهور، إذ إنه جزء لا يتجزأ من شخصية الممثل التي يقوم بدراستها ويطورّها ويهتم بها، كذلك صوته عليه أن يتحكم به ويقوم بتدريبه. وبالنسبة لي أنا سعيدة لأني انقطعت عن التمثيل وهذه عودتي، وخاصة أن العمل للأطفال وهي أول مرة».

ملكة البجعات

في الختام تحدثت الفنانة رباب كنعان عن أهمية النص لكونه نقطة العبور إلى أفكار الطفل ومشاعره وخاصة لما للاثنين من فطرية وعفوية «أنا أرى أن النص لطيف، وفيه رموز بسيطة وعميقة تثير أفكار الطفل ليسعى بخياله كي يفك اللغز. وعن تجربتي في العرض أنا أشعر باستمتاع كبير، وحملت هذه الشخصية لسان حالي فما أحوجنا في هذه المرحلة إلى ريشة بيضاء، ريشة ترفعنا عن الواقع الرديء الذي وصلنا إليه لنستطيع الاستمرار وتغسل أحزاننا وهمومنا ومشاكلنا ببياضها ونقائها.
وأعتقد أننا نمرّ بفترة خطيرة هي استمرار لتراكمات الأزمة وتبعاتها، لهذا علينا الإحاطة بجيل الأزمة، لأنه يحتاج إلى نوع خاص من الاهتمام، والأمر يتطلب تضافر جهود الجهات المختصة والمعنية بأسرع وقت ممكن».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن