واشنطن وخطة شطب حق العودة.. والعرب!
| تحسين الحلبي
في الأسبوع الماضي ازدادت الأنباء التي تشير إلى وجود تقرير سيعلنه البيت الأبيض الأميركي عن شطب قرار حق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة وأكدت فيه حق الفلسطينيين اللاجئين بالعودة إلى ترابهم وممتلكاتهم في وطنهم وذكرت كل وسائل الأنباء في إسرائيل والشرق الأوسط أن قرار البيت الأبيض يتضمن تحديداً جديداً مبتكراً وفريداً من نوعه لصفة اللاجئ الفلسطيني وهي أن اللاجئ الذي أبعد عن فلسطين أثناء حرب عام 1948 لا تنطبق صفة اللاجئ على أبنائه وأحفاده لأن «حقه لا يرثه أحد من بعده» بموجب ما يريد البيت الأبيض وحكومة تل أبيب فإذا أصبح معظم من طرد من وطنه عام «1948» ميتاً فسوف يموت معه حق العودة وبعد سنوات قد لا يبقى من هذا «النوع من اللاجئين» الأحياء سوى مئات آلاف فقط!
وقد بدأت حرب استنزاف صارخة ومكشوفة على أكثر من ستة مليون من اللاجئين المسجلين في الأوراق الرسمية للأمم المتحدة ومنظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وعلى أهم جوهر وطني وقانوني في قضية الشعب الفلسطيني من دون أن يصدر عن دول عربية كثيرة أي تنديد رسمي أو تهديد توجهه هذه الدول الشقيقة ضد مثل هذا القرار.. وعلى الجانب الآخر «الإسرائيلي الأميركي» يجري اتخاذ القرار بإنهاء وجود «الأونروا» وكالة غوث اللاجئين وتخفيض ميزانيتها تمهيداً لإعلان تصفية قضية اللاجئين بحجة أن عددهم أصبح مئات الآلاف وليس أكثر من ستة ملايين فإسرائيل تستمر في استغلال أسوأ رئيس أميركي في تاريخ الولايات المتحدة دونالد ترامب الغارق في سلسلة فضائح متواصلة وتفرض عليه مطالب لم يجرؤ أي رئيس أميركي من قبل الإعلان عن الموافقة عليها وتنفيذها فهذا ما حدث حين وافق على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة عام 1967 واعتبرها عاصمة للكيان الإسرائيلي وهذا ما حدث حين أعلن عن عدم ضرورة وجود دولة فلسطينية في الضفة الغربية وأعد صفقة القرن لتصفية الحقوق على الأرض وها هو يريد الآن الإعداد لإعلان تصفية الحقوق على مستوى الشعب بزعم أنه لا يوجد لاجئون أو شعب فلسطيني لاجئ.
وعندئذ ماذا سيبقى من حقوق وطنية وقانونية لهذا الشعب وخصوصاً بعد أن دعم قرار نتنياهو الذي وافق عليه الكنيست، أي البرلمان الإسرائيلي، بـ«يهودية الدولة» ما يعني إعطاء إسرائيل حق أن تكون دولة لليهود وحدهم وبهذا «التشريع» الفريد في تاريخ العالم المعاصر ونشوء الدول القومية يصبح مليونان تقريباً من الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948 مجردين من حق استمرار وجودهم فوق ما بقي لهم من قرى وبعض أراض يعيشون فوقها، أما الملايين الثلاثة في الضفة الغربية ومدينة القدس فسوف يلقون المصير نفسه الذي ستفرضه المستوطنات وإعلان السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية بعد ضم القدس إلى هذه السيادة.
لم تتوقف الحكومة الإسرائيلية عند التوسع الإقليمي فيما تبقى من فلسطين فقط بل طلبت في أكثر من مناسبة من ترامب الاعتراف أيضاً بسيادتها على الجولان العربي السوري وظهر آخر دليل على ذلك أثناء زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون لتل أبيب وتصريحه بأن نتنياهو يطلب هذا الاعتراف حقاً، ومع ذلك تدرك إدارة ترامب أن مسألة الجولان لن تكون قابلة لمثل هذا القرار بعد انتصار سورية وحلفائها في حرب السنوات الثماني العالمية على سورية وهنا يكمن العامل الأهم الذي يفرض هذه الحقيقة وهو قدرة ومقاومة سورية وحلفائها على إحباط وهزيمة قرار أميركي كهذا على حين إن القيادة الفلسطينية في منظمة التحرير لم تعد تعول على هذا العامل منذ اتفاقية أوسلو التي تمكنت من خلالها إسرائيل والولايات المتحدة من استنزاف الشعب الفلسطيني وسلب أراضيه ومحاصرته وتقسيمه إلى غزة ورام الله وفي ظل هذا الوضع أصبح من البديهي والطبيعي استعادة عامل تعزيز المقاومة والقدرة الفلسطينية على مجابهة أخطر التحديات التي تواجهها أعدل قضية شعب وأمة في تاريخ هذا العالم.
إسرائيل جندت صمت وتواطؤ دول النظام الرسمي العربي وجندت دعم رئيس أميركي لتنفيذ خطتها مقابل انقسام فاجع في الساحة الفلسطينية وارتهان لدول عربية معظمها من الدول المتحالفة مع الرئيس الأميركي وكأن أحداً لا يرى ذلك المحور المقاوم العربي الإسلامي وتزايد قوته في مجابهة المخطط الصهيوني الأميركي في المنطقة فما زالت سورية ودول عربية وإسلامية أخرى تتمسك بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ودفعت ثمناً باهظاً من أجل دعم نضاله ومقاومته.
آن الأوان لانعطافة موضوعية ثورية في الاتجاه الصحيح والواضح في خياراته الراهنة.