مجتمع من طابقين!!
| عبد الفتاح العوض
شيء ما يثير الانتباه لما يجري في المجتمع السوري.. نعيش في طابقين!
ولعل أحدث الأمثلة على ذلك أن فئة من هذا المجتمع بحاجة للحصول على قرض بـ50 ألف ل.س، على حين هناك فئة أخرى يدخل أولادها إلى مدارس أقساطها فوق 500 ألف ل.س. وهناك مدارس يصل الرقم إلى قريب المليون.
ليس الحديث هنا عن مسألة قرض القرطاسية فهو بالنتيجة يقع تحت عنوان «شيء أفضل من لا شيء» لكن الحديث عن الفئة الاجتماعية التي تحتاج فعلاً إلى قرض قيمته 50 ألف ل.س.
وبذات الوقت فإن مثل هذا المبلغ لا يكفي لدعوة صغيرة لغداء في مطعم متوسط الحال.
النقطة التي أريد أن أركز عليها هنا أننا أمام حالة غريبة في المجتمع.
طابق فقير جداً… وطابق غني جداً.
وهذا ليس مؤشراً فقط على مستوى التباين الاقتصادي والاجتماعي فحسب بل أيضاً يعني بشكل أو بآخر تآكل الطبقة المتوسطة.
منذ فترة طويلة وربما ما قبل الأزمة كانت هناك أحاديث عن أن الطبقة المتوسطة في سورية بدأت بالاضمحلال، وأن الفوارق الاقتصادية آخذة بالتزايد وأن الهوة بالمستوى المالي تزداد اتساعاً.
لكن مع هذه الحرب زادت الأمور سوءاً، وأصبحنا نتحدث عن حالة غريبة جداً يعاني منها المجتمع السوري.
فنحن أمام حالة فيها طابق فاحش الثراء وطابق فاقع الفقر يعيشان في بناء واحد ويمارسان حياتهما جنباً إلى جنب مع كل الفوارق بينهما.
ولعل مثل هذا يخلق الكثير من المقارنات القاسية التي لا شك أنها تترك أثارها النفسية وما يتبع ذلك على المدى الطويل، ثم إن المسألة تأخذ بعداً أكثر أهمية عندما يتحول الأمر إلى السلوك الأخلاقي في المجتمع.
فالثراء يضعف الالتزامات الأخلاقية والسلوكية وفي حال كان الغني محدثاً فإننا ننتظر الكثير من «اللا أخلاق» وفي هذا المجال فإن العملية ليست مجرد حرية شخصية بل هي أسلوب تعامل مع المجتمع ومع قضايا الوطن بشكل عام.
كذلك فإن الفقر يضعف المناعة الأخلاقية وتحت ضغط الحاجة يجري الانسحاب من المبادئ ويصبح اللامشروع مشروعاً واللا مسموح مسموحاً به.
وهذا أسوأ ما في الأمر عندما نفتقد الحامل الأخلاقي في المجتمع حيث اعتادت المجتمعات الاعتماد على طبقتها الوسطى للحفاظ على صلابة القيم العليا.
السؤال هنا… في ضوء أن هذه القضية التي أتحدث عنها هي تحت الضوء ويعرفها الجميع بمن فيهم المسؤولون عنّا… فما خطتهم لإعادة الطبقة المتوسطة؟ وما وسيلتهم لردم الهوة بين الفقراء جداً… والأغنياء جداً؟
حتى الآن لا نرى أي ملمح يوحي بأن أحداً لديه نية للنظر في هذا الموضوع.
وأن ما يجري ليس أكثر من محاولة لإبقاء الحال على ما هو عليه.
من المهم التعامل مع هذه القضية بجدية كافية، وأقترح هنا أن تتم إقامة ورشات فكرية واقتصادية يشارك فيها المسؤولون للخروج بأفكار للحل تتبناها الحكومة.
فليس من السهل العيش في بناء من طابقين أحدهما عند السحاب… والآخر تحت الأرض!!
أقوال:
** في ظل حكومة فاضلة الفقر عار، وفي ظل حكومة سيئة الغنى هو العار.
** الأخلاق تتآكل في الفقر كما يتآكل المعدن الذي يقطر فوقه الماء.
** المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء.
** عندما تصل المصيبة إلى ركبة الغني تكون قد اجتازت رقبة الفقير.
** الفقرُ فضيلةُ سخيفة لا يدعو إليها إلا رجل سخيف.