قضايا وآراء

عودة اللاجئين..

| مازن جبور

عودة اللاجئين تعتبر من المسائل المهمة في المرحلة الحالية، إذ تمكّن الجيش العربي السوري بمساعدة الحلفاء من تحرير معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيمات المسلحة، وتكمن هذه الأهمية في تثبيت حالة النصر التي يحققها الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة، إضافة إلى المساهمة التي سيقدمها اللاجئون العائدون في عملية إعادة الإعمار سواء باليد العاملة أم رأس المال.
دعت الدولة السورية مواطنيها إلى العودة بالتزامن مع إطلاق روسيا مبادرة للمساعدة على عودة اللاجئين، الذين يبلغ عددهم في الخارج نحو 7 ملايين شخص، إذ إنه حسب معطيات وزارة الدفاع الروسية، فإنه بإمكان نحو 1.7 مليون لاجئ سوري العودة إلى الوطن في وقت قريب.
إن الاقتراح الروسي الجديد حول تنظيم عودة اللاجئين يفتح الباب أمام أسئلة عديدة، كلها تتمحور حول مدى واقعية الخطوة، والمصالح السياسية والاقتصادية والأوضاع الداخلية التي تحكم دول اللجوء.
لقد أدت تدفقات اللاجئين إلى زعزعة استقرار بلدان أخرى في المنطقة، وأعادت صياغة سياسات اللجوء والهجرة العالمية، وأثارت رد فعل شعبي في بلدان اللجوء، ولذلك، قد لا يكون من المستغرب أن معظم النقاشات الدولية حول مستقبل اللاجئين السوريين ستستقر على إعادتهم إلى بلدهم، في الوقت ذاته فقد شكل اللجوء السوري مورداً اقتصادياً وورقة ضغط سياسية بيد دول الجوار السوري.
ومنذ بدايتها كانت أزمة اللاجئين السوريين عرضة للتسييس والتأويل، الأمر الذي انعكس على أوضاعهم في بلدان اللجوء، واختلفت نسبة اللجوء وآلياتها ووضع اللاجئين باختلاف الدول المضيفة لهم، نظراً لعوامل تتعلق بالجغرافيا والإيديولوجيا والوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني لتلك البلدان، إذ شكلت دول الجوار مثل تركيا ولبنان والأردن الدول الأكثر استضافة للاجئين، على حين شكلت بلدان أوروبا دول استضافة من نوع آخر شابها في أماكن عدة الخلط بين الهجرة واللجوء.
لقد شكل اللجوء للأردن مورداً اقتصادياً، إذ حققت المملكة مساعدات دولية كبيرة من استقبال اللاجئين السوريين، كما باتت تلعب دوراً سياسياً ربما أكبر من وزنها في المنطقة، ولعل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم سابقاً في جنوبي غربي البلاد حيث مناطق سيطرة التنظيمات المسلحة باتفاق روسي أميركي أردني، دليل على ذلك، كذلك افتتاح غرفة «الموك» لدعم التنظيمات المسلحة في الأردن أعطى المملكة وزناً إقليمياً، وجعل صانع القرار الأردني يعتقد أن هذا الوزن سيمتد إلى ما بعد انتهاء الأزمة، وخصوصاً في فترات سابقة كان ما يزال الغرب وحلفاؤه في المنطقة مقتنعين بقدرتهم على إسقاط الدولة السورية.
منذ بداية العام الحالي لم تحصل عمان على المساعدات المالية التي كانت تجنيها من اللجوء السوري، إضافة إلى التطورات الدولية الحاصلة في الملف السوري على وقع الانتصارات المتلاحقة للجيش وحلفائه، الأمر الذي وضع الأردن في موقع المفاضلة بين مكاسب اللجوء التي تناقصت والتخلص من عبئه، وفي ظل رغبة الدولة السورية في إعادة مواطنيها إلى بلداتهم وقراهم، رأت المملكة في إعادة فتح معبر نصيب ومن ثم تلقي عوائد اقتصادية، مقابل جيد للمساعدة في عودة اللاجئين السوريين، كما أن للمملكة طموحات أخرى مرتبطة بعملية إعادة الإعمار.
وعن لبنان فقد عمق ملف اللجوء السوري من الخلافات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين، وتشكلت لدى الشارع اللبناني ردود فعل سلبية وصلت إلى درجة العنف المسلح والعنف اللفظي المنظم ضدهم، وبات حل الملف للرئيس اللبناني ميشال عون مصدراً لكسب الشرعية.
أما تركيا فما يزال اللجوء السوري يقبع تحت البند السياسي الاقتصادي، فالنظام التركي ينظر إلى اللاجئين بازدواجية في المعايير، إذ يشكل لاجئو المخيمات العصا التي يرعب بها أوروبا، وفي الوقت ذاته يعتبرهم الخزان البشري للتنظيمات المسلحة التابعة له في سورية، وهي ورقة ضغط أيضاً على الدولة السورية ذاتها في أي عملية تسوية سياسية قادمة، في الوقت ذاته تنظر أنقرة إلى جزء كبير من اللاجئين باعتبارهم غنيمة للاقتصاد التركي سواء على صعيد رأس المال الذي يمتلكونه ويشغلونه في الاقتصاد التركي أم على صعيد الخبرات العملية والعلمية التي يمتلكونها، ومن هذا المنظور السابق فهي تتعاطى مع ملف اللجوء السوري.
أوروبياً، فإن عدداً كبيراً من الفاعلين المجتمعيين والسياسيين يحاولون إلغاء حالات اللجوء وإرسال السوريين إلى ديارهم رغماً عنهم، إذا لزم الأمر، إذ تبدو عودة اللاجئين مناسبة لبعض الأحزاب والحكومات الأوروبية، وفي ظل الضغوط السياسية فإن القرار قد يفعّل من دون أخذ مصلحة اللاجئين بالحسبان.
إلا أن السؤال السابق الرئيسي المتمحور حول مدى واقعية الخطوة، يفرض النظر في مجموعة من الأمور، أبرزها التركيز على ما تعرض له اللاجئون في دول الاستضافة من تمييز، ومن ثم يجب أن تشكل السلامة والأمن والمساواة والعدل شروط أساسية للعودة.
ومن العقبات الرئيسية أمام عودة اللاجئين التجنيد الإلزامي في سورية للذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 سنة، وهي سياسة حفزت أيضاً هجرة العديد من الشباب.
إن التركيز على خلق فرص اقتصادية وفرص إسكان تشجع اللاجئين على العودة، كما يمكن اعتبار روسيا ضامناً لعودة اللاجئين، سواء من دول الجوار أم غيرها، باعتبارها عنصراً رئيساً في القضاء على الإرهاب، كما أن تحقيقها للعديد من اتفاقات المصالحة برعايتها وضمانتها يشكلان عاملاً قوياً لتكون ضمانة لعودة اللاجئين، في الوقت ذاته يجب عدم تحويل عودة اللاجئين إلى صفقة دولية بين الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية كي لا تؤدي إلى مواجهة مخاطر سياسية تنبع أولاً من القضايا السياسية المتنازع عليها بين الطرفين، وبين سورية والبلدان المضيفة من جهة ثانية.
وبما أن الخطة الروسية تقضي بإعادة اللاجئين إلى مناطق آمنة صالحة للحياة إلى حين انتهاء إعادة الإعمار، ومن ثم يجب التنبه إلى الشرخ المجتمعي الهائل الذي أحدثته الأزمة في المجتمع السوري.
لا يمكن التعاطي مع ملف النازحين واللاجئين السوريين من دون التطرق إلى السياسة، وإن تمكنا من التخلص من تداعيات الأزمة نسبياً حتى الآن، فإنه لن تستطيع الحكومة السورية إدارة ملف العودة من دون اتخاذ تدابير فورية لمعالجة الأزمة السياسية والمؤسسية، ومن هنا يجب على الدولة السورية تطوير إستراتيجية وطنية لحماية اللاجئين، وأن تتضمن الإستراتيجية إنشاء هيئات محلية لمراقبة الوضع بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، نظراً للشرخ المجتمعي الهائل الذي أحدثته الأزمة في المجتمع السوري، إضافة إلى الحاجة إلى إستراتيجية لمعالجة وضع اللاجئين الذين شاركوا في الأزمة السورية.
كذلك يجب التنبه إلى أن اللاجئين ليسوا كياناً واحداً، وقد يحتاج بعضهم إلى تدابير إضافية للحماية، وعلى الحكومة السورية إصدار توجيهات واضحة بشأن اللجوء واللاجئين والعودة.
من الناحية المؤسسية، على الحكومة أن تنشئ آلية لتعزيز التنسيق المؤسسي لعودة اللاجئين، إذ أن مواجهة تهديدات السياسة وحق العودة، تحتاج من الحكومة إلى إضفاء الطابع الرسمي على موقفها تجاه اللاجئين عبر إصدار بيان فوري واضح ثابت تجاههم، وأن تؤخذ بالحسبان مرحلة ما بعد العودة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن