اقتصاد

تعديل الفوائد.. إلى ماذا تهدف السياسة النقدية للمرحلة المقبلة؟

| علي محمود محمد

لا شك بأن سعر الفائدة بمنزلة الجهاز العصبي للمصارف التجارية لما له من تأثير كبير على إيراداتها ومصاريفها، وذلك من خلال أسعار الفائدة المدينة المدفوعة والدائنة المقبوضة، فطبيعة عمل المصرف التقليدي تعتمد بالدرجة الأولى على استقطاب أموال المودعين مقابل منحهم فوائد على أرصدتهم وودائعهم، وفي الوقت نفسه منح هذه الأموال والأرصدة على شكل تمويلات مختلفة منها إنتاجية واستثمارية واستهلاكية مقابل الحصول على فوائد لقاء استخدام هذه الأموال، ومن ثم فالمصرف التقليدي يتأتى ربحه بشكل أساسي من خلال هذا الفارق بين الفوائد المدينة والدائنة، ومن هنا تأتي الأهمية الكبرى لأداة سعر الفائدة من خلال تأثيرها في ربحية المصارف من جهة ودورها في رفع أو تخفيض تكاليف الاقتراض للمتعاملين من جهة أخرى وتأثيرها على النشاط الاقتصادي برمته، ويتم تحديد أسعار الفوائد انطلاقاً من الرؤية الاقتصادية والنقدية لمجلس النقد والتسليف في سورية والتي تعدل حسب مقتضيات كل مرحلة بعد تصديق رئيس مجلس الوزراء عليها.
من هنا كان قرار مجلس النقد والتسليف رقم (91 /م ن) تاريخ 5/7/2018 الصادر يوم 28/8/2018 والذي عدل أسعار الفوائد الممنوحة على الودائع، حيث منح معدل فائدة قدرها 7 بالمئة على الودائع لأجل شهر واعتبره السعر المرجعي الذي تحدد على أساسه أسعار الفوائد على باقي الفترات، كما حدد القرار سعر الفائدة على شهادات الاستثمار بـ10 بالمئة، فيما لم يحدد سعر الفائدة على الودائع لأجل التي تفوق مدتها الشهر، وترك الأمر يعود للمصارف العاملة لتحدد ذلك وفق رؤيتها وحاجتها للسيولة، وأخضع ذلك لإطار المنافسة بين هذه المصارف ما يتيح مجالات أوسع أمام المتعامل للاختيار فيما بين المصارف، وبموجب هذا القرار فقد أُلغي القرار رقم (1266/ م ن/ب1) تاريخ 31/05/2015 المعدّل للقرار رقم (818/ م ن/ب1) تاريخ 15/02/2012 والذي كان قد ألزم المصارف بمعدلات ثابتة لكل فترة زمنية معينة (7 بالمئة من 1 إلى 3 أشهر، 8 بالمئة من 4 إلى 6 أشهر، 9 بالمئة من 7 إلى 9 أشهر، 10 بالمئة من 10 أشهر إلى سنة، 10 بالمئة لغاية 20 بالمئة للودائع التي يتجاوز أجلها السنة).
من هنا يمكن القول إن المصرف المركزي يهدف من خلال هذا الإجراء إلى تخفيض سعر الفائدة التي تدفعها المصارف على ودائع المتعاملين ما سينعكس تخفيضاً أيضاً على أسعار الفائدة المدينة التي تتقاضاها هذه المصارف على التسهيلات الائتمانية والقروض التي تقوم أو ستقوم بمنحها، وهذا يعني أن المصرف المركزي بدأ يتبع سياسة نقدية توسعية تهدف إلى توفير الائتمان للمتعاملين من تجار وأصحاب معامل وصناعيين بتكاليف أقل استجابةً لمطالبهم المتكررة واستجابةً أيضاً لمتطلبات المرحلة في سورية، وهذا الأمر يفترض أن يسهم في تخفيض تكلفة الأموال المقترضة ومن ثم تخفيض تكاليف الإنتاج جزئياً وأن يتبعه بشكل ديناميكي تخفيض السعر النهائي لمستهلك أي سلعة، كما أن ذلك سيسهم في تخفيف عبء الفائدة على الأشخاص الطبيعيين الذين سيستفيدون من قروض استهلاكية وسكنية.
كما يعتقد أن هذا الإجراء قد يكون استجابةً لطلبات بعض المصارف بضرورة التخفيض نتيجةً لارتفاع تكاليف السيولة لديها في ظل محدودية منح التسهيلات الائتمانية والتي لم تنطلق بعد بالزخم المعوّل عليها، واضطرار بعض المصارف إلى وضع سياسات خاصة بها لجهة سقف الوديعة ولجهة أجلها ما يتكيف مع وضع المصرف وهيكله المالي وسيولته، وهذا أمر مسوغ لأي مصرف بأن يكيف موجوداته من الودائع مع استحقاق التزاماته وبما يحقق له الربحية وعدم ارتفاع التكاليف، ومن هنا كان تنويه حاكم المصرف المركزي دريد درغام بالأمس حول ذلك (بمنشور على صفحته الشخصية في فيسبوك) حيث ذكر بأنه لم يعد مسوغاً رفض الودائع من الراغبين في وضعها بالمصارف.
من ناحية أخرى فقد خفض القرار سعر الفائدة الممنوحة على ودائع التوفير حيث أضحت تماثل الفائدة الممنوحة على الودائع لأجل 6 أشهر والتي هي حكماً ستكون أقل من 9 بالمئة الممنوحة في القرار السابق، ولكن سمح للمتعامل رفع سقف المبالغ المستفيدة من حساب التوفير حيث أضحى خمسة ملايين ليرة الآن بدلاً عن مليون ليرة كما كان سابقاً، وهنا لابد من التنويه بأن أغلبية المودعين (عدداً وليس بحجم الأموال) هم من صغار المدخرين الذين تكون مدخراتهم منخفضة ويرغبون في الحصول على الفائدة التفضيلية الممنوحة لحسابات التوفير (والتي كانت سابقاً 9 بالمئة)، أما الآن فقد حُرموا من هذا التفضيل في المعاملة (ولو كان هذا الحرمان بنقطة مئوية واحدة) وتساووا مع أصحاب الودائع لأجل 6 شهور، وأما رفع السقف لخمسة ملايين ففائدته محدودة لهذه الشريحة.
الآن، ومع إقرار نظام إصدار شهادات الإيداع التقليدية بالعملات الأجنبية مطلع هذا الأسبوع، ومع التصريحات حول معدل الفائدة الممنوح على شهادات الإيداع بالعملات الأجنبية والتي تقارب 4.5 بالمئة وربما تصل 5 بالمئة، نتساءل عن تأثر سعر صرف الليرة السورية، بسبب التقارب بين معدلي الفائدة الممنوحة على كل من الليرة والدولار للأجل الطويل إذ إن المودع الذي كان يتقاضى فائدة 12.5 بالمئة على وديعته لأجل أكثر من سنة، من الممكن أن تصبح الفائدة بحدود 9 بالمئة (يعود ذلك للمصارف)، بينما كان سعر الفائدة على الدولار لأجل سنة وسطياً حوالي 2.5 بالمئة والآن قد يصبح 4 بالمئة، فعملياً لا يمكن التكهن حالياً بانخفاض أو ارتفاع سعر الصرف، الأمر الذي ستكشف عنه السوق خلال الفترة المقبلة بالتوافق مع استجابة المتعاملين مع المصارف ومع الواقع الجديد.
لنكن منصفين فقد تكون إحدى غايات السلطة النقدية استقطاب المزيد من العملات الأجنبية إلى الأقنية المصرفية الرسمية، فترميم الاحتياطي وجمع الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي ربما له الأولوية في الواقع الراهن، وهذه أسئلة نضعها برسم راسمي السياسة النقدية فهم بالتأكيد الأقدر على الإجابة عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن