قضايا وآراء

الكيميائي آخر الأوراق الخاسرة

| رزوق الغاوي

في استعادة خاطفة للتاريخ الخاص بنشوء الدولة الأميركية والأسس التي قامت عليها، لن نجد نقطة مضيئة واحدة، بدءاً من الأيام الأولى لاحتلال الأرض الجديدة والشروع في إبادة أصحابها قبائل الهنود الحمر، مروراً باحتلال فيتنام وكوريا، ومن ثم أفغانستان والعراق وتدمير ليبيا، وصولاً إلى وضع الخطة المشؤومة المعروفة بخطة «بندر ــ فيلتمان» لتدمير سورية ومن ثمَّ العدوان الأميركي عليها واحتلال جزءٍ عزيز من ترابها.
هي حقائق يعرفها القاصي والداني، وبات يدركها الكبير والصغير وليست بحاجة لإثبات ، فالشهود يصعب إحصاؤهم لأنهم يشكلون العالم أجمع بجهاته الأربع، يتقدمهم الشعب السوري الذي واجه المؤامرة الكبرى بمنتهى الوعي وإدراك المرامي والأهداف والصبر والصمود.
لقد أثبتت المراحل التي مرت بها المسألة السورية، مدى خطورة سياسة المعايير المزدوجة التي تنتهجها الإدارة الأميركية ومواقفها المتناقضة والملتبسة القائمة على اتباع أسلوب مجانبة منطق الأمور والخداع والنفاق السياسي والكذب وعملها على عرقلة الجهود المخلصة الرامية للتوصل إلى الحل السياسي، وهاهي تعمل بمختلف الطرق لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري باتجاه إدلب بغية استعادتها من التنظيمات الإرهابية، وتعِدُّ لتنفيذ عدوان جديد على سورية تحت ذرائع ومزاعم مختلفة حول نية الجيش العربي السوري استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في عملية تحرير إدلب، في حين تم إثبات عملية نقل ثماني حاويات للكلورين إلى مدينة جسر الشغور، في إطار فبركة مسرحية الهجوم الكيميائي المزعوم، والتي تلعب الدور الأساسي الكامل في تنفيذها مجموعة خاصة من المسلحين المتدربين على استخدام المواد السامة يرتدون لباس عناصر الخوذ البيضاء بإشراف مباشر من خبراء شركة «أوليفا» العسكرية البريطانية الخاصة، والمخابرات البريطانية، مايمثل دليلاً على احتمال قيام واشنطن وربما معها «باريس ولندن» بعدوان جديد على سورية في ضوء وصول حاملة الصواريخ الأميركية المدمرة «يو إس إس سوليفان» إلى الخليج والقاذفة الاستراتيجية الأميركية «B-18» إلى قاعدة «العديد» في قطر، واستعداد البنتاغون الأميركي لنشر منظومة للدفاع المضاد للصواريخ في عدد من مناطق الشمال السوري، ما يشكل في حال تنفيذ ذلك العدوان انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية ولقوانين الأمم المتحدة ومواثيقها ذات الصلة.
في السياق وتعبيراً عن استياء واشنطن من نجاحات الجانب الروسي في إنجاز مصالحات هامة في بعض المناطق السورية، وصل الدبلوماسي الأميركي وليم روباك مؤخراً إلى مدينة الطبقة مبعوثاً من الرئيس دونالد ترامب في مهمة الهدف منها إجهاض أي محاولات لمصالحات جديدة في المناطق السورية الواقعة في الشمال الشرقي من البلاد، حيث أكد المبعوث الأميركي لمن التقاهم هناك عزم بلاده على إبقاء القوات الأميركية وباقي قوات التحالف الغربي في تلك المناطق تحت الزعم بتقديم المساعدة للمدنيين، في أعقاب ضمان واشنطن تأمين التمويل اللازم لذلك من السعودية وبعض دول «التحالف الغربي».
من أجل أن نكون موضوعيين في توصيفنا لسياسات واشنطن وبعض حلفائها فإن ثمة كلمة حقِ ينبغي أن تقال بمناسبة ومن دون مناسبة وتحديداً في عملية توصيف المواقف الأميركية التي تكشف عن الوجه الحقيقي للسياسة العامة الأميركية، والتي لدى وضعها موضع التنفيذ الفعلي، تعطينا ترجمة بالغة الدقة وبصورة عملية لتلك السياسة.
كلمة الحق تلك، تؤكد مسلسل حقائق لا تنتهي إن لم نقل لن تنتهي، تفند سمات السياسة الأميركية من حيث كونها ثابتة قي انتهاج تعدد المعايير ومبادئ ومعاني ومفاهيم العدوان والتسلط وابتداع المزاعم واللعب بأوراق مزيفة الهدف منها النيل من سيادة الدول والهيمنة على ثرواتها الوطنية، ولاشك أن مسرحية الكيميائي التي تحضّرها الإدارة الأميركية لسورية ستكون آخر الأوراق الأميركية الخاسرة والمتصلة بالمسألة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن