من دفتر الوطن

السيناريو إبداع آخر

| حسن م. يوسف 

أقر وأعترف أنني دخلت الدراما التلفزيونية بالخطأ، مدفوعاً بحبي الغامر للمبدع الكبير الحاضر أبداً حنا مينة، فلولا الحب لما حولت روايته «نهاية رجل شجاع» إلى مسلسل، ولما حقق ذلك المسلسل نجاحاً كبيراً لا يزال يتجدد كل عام. فرغم انقضاء نحو ربع قرن على تصويره، لا يزال «نهاية رجل شجاع» يعرض كل عام، وهو يعرض أثناء كتابة هذه الكلمات على إحدى الفضائيات.
رغم ذلك، لم يسبق لي أن أجريت حواراً صحفياً يمس موضوع الدراما التلفزيونية وتجربتي في تحويل رواية «نهاية رجل شجاع» إلى مسلسل إلا وقذفني المحاور بهذا السؤال: «هل كنت أميناً للنص الأصلي؟» والحقيقة أنني لم أرتح لهذا السؤال منذ أن طرح عليَّ لأول مرة لأنه ينطوي على اتهام مضمر بالخيانة! إلا أن عدم ارتياحي لهذا السؤال بدأ يتزايد مع الوقت.
لطالما شبهت العلاقة بين الرواية والسيناريو الذي يبنى عليها بالعلاقة بين البذرة والنبتة التي تنشأ منها؛ صحيح أن كل خواص النبتة موجودة في البذرة، كما يجب أن تكون كل خواص المسلسل متضمنة في الرواية، إلا أن النبتة كيان جديد مختلف تماماً عن البذرة، كما أن المسلسل كيان آخر جديد مختلف كلياً عن الرواية. الفرق الأساسي بين المثالين هو أن النبتة تمتص كل المكونات الغذائية الموجودة في البذرة وتحولها إلى مجرد قشرة لا تصلح لشيء، لكن السيناريو لا يستهلك الرواية بالمعنى الدقيق للكلمة، لأنها تبقى في المكتبات لمن يود الرجوع إليها.
ونحن نشيع أستاذنا الكبير حنا مينة استوقفني أحد الزملاء الصحفيين أمام كنيسة مار ميخائيل وجبرائيل في اللاذقية وسألني ماذا يعني لي غياب حنا مينة؟، فأجبته: إن حنا مينة لم يغب ولن يغيب، كل ما هنالك هو أنه غيّر عنوانه. بعد ذلك قفز ذلك الزميل إلى الموضوع السحري وسألني عما إذا كنت أميناً في تحويل رواية «نهاية رجل شجاع» إلى سيناريو!
لست أنكر أن هذا السؤال المكرر جداً جعلني أشعر بمزيج من الاستهجان والغضب، حتى إنني لم أعد أذكر على وجه الدقة ما الذي قلته لذلك الزميل في تلك اللحظات القاسية. لذا أشعر من واجبي أن أوضح هذه المسألة، مرة واحدة وإلى الأبد.
ما يعنيني بالدرجة الأولى في عملي ككاتب سيناريو ليس الإخلاص للرواية المأخوذ عنها، فالإخلاص للرواية من واجب الروائي، ما يعنيني قبل وبعد كل شيء هو الإخلاص لفن السيناريو بغية تمكين المخرج من إبداع عمل درامي فني جميل يتوفر على الإقناع والإمتاع إلى أبعد حد! أما من يبحث عن الإخلاص للرواية فليذهب إليها وأنا أضمن له أنه سيجدها بانتظاره في المكتبات! فتقديس العمل الأدبي من شأنه أن يجعل كاتب السيناريو حيواناً مجتراً، والمبدعون لا يمارسون التكرار ولا الاجترار!
تعلمون أن رواية «أليس في بلاد العجائب» للكاتب لويس كارول قدمت مراراً في السينما وحولت إلى مسلسلات تلفزيونية وكارتونية، وفي كل مرة كان كاتب السيناريو يعيد بناء الحكاية بطريقته الخاصة. في عام 2016 قامت كاتبة السيناريو ليندا ولفرتون بإدخال تغييرات راديكالية على حكاية «أليس في بلاد العجائب»، فهي لم تقدم أليس كطفلة صغيرة كما في الرواية الأصلية بل قدمتها شابة ناضجة تقود سفينة شراعية وتعود إلى لندن بعد رحلة دامت ثلاث سنوات في الصين بحثاً عن والدها.
علينا أن نعترف أن السيناريو الحقيقي إبداع آخر، فهو يمتص الرواية كما تمتص النبتة البذرة، وقد يضيف إليها شخصيات وأحداثاً تعزز بنيتها وتؤكد مقولتها. نعم ليس من واجب كاتب السيناريو أن يقدم نصاً مستنسخاً عن الرواية، فأوجب واجباته هو أن يكون مخلصاً لفن السيناريو، وما على المعنيين بالإخلاص الأوتوماتيكي للرواية إلا أن يتفضلوا بقراءتها على الورق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن