قضايا وآراء

إعادة تدوير

| مازن جبور

تُعرف عمليّة إعادة تدوير النّفايات بالإنجليزية «Recycling» بعمليّة مُعالجة للموادّ المُستهلكة، بحيث تُعاد إلى الشّكل الخام لهذه المادة، لتُصنّع مرّة أخرى فيُعاد استخدامها والاستفادة منها من جديد، وهو الأمر ذاته الذي تسعى واشنطن إلى تطبيقه في السياسة لكن بشكل مقلوب أي أن ما تم التخلص منه ومن أضراره تعيد واشنطن إنتاجه لينم عن المزيد من الأضرار، فتعيد إنتاج نفاياتها الذرائعية مرة تلوى الأخرى عبر الحديث المدعم في وسائل الإعلام المتحكم بها من قبلها ومن قبل أتباعها في المنطقة.
«الكيميائي» ذريعة واشنطن التي تم سحبها مرات عدة لا يمكن إعادة تكرارها وتصنيعها لأسباب عدة:
أولاً: لا يمكن إعادة ملف الكيميائي السوري إلى حالته الخام بالمطلق نظراً لأن الأسلحة الكيميائية السورية قد تم تدميرها وأغلق هذا الملف وكررت دمشق مراراً وتكراراً أن لا أسلحة كيميائية لديها.
ثانياً: أن حالات تكراره السابقة بدءاً من خان العسل إلى خان شيخون إلى دوما لم تثبت أي لجنة تحقيق أممية استقبلتها سورية أي أدلة على استخدام دمشق للكيميائي.
ثالثاً: أن تكرار الذريعة ذاتها لمرات عدة في الشروط والظروف نفسها لا بد أنه في النهاية سينقلب ضد من يكررها، إذ دائماً ما يتم تكرير ذريعة الكيميائي مع كل عملية عسكرية ينوي الجيش العربي السوري القيام بها لتطهير جزء من الأرض السورية من التنظيمات الإرهابية.
رابعاً: أنه مع كل مرة تسعى واشنطن والغرب فيها لتكرار الذريعة، فإن صنيعهم الجديد ينم عن إخفاق كامل، فالذريعة باتت مكشوفة ويتم التعامل معها وسحبها من دمشق وحلفائها قبل أن تقع.
ومع كل إعادة إنتاج للذريعة تقوم واشنطن بمجموعة من الاستعدادات العسكرية الترهيبية من استقدام بارجاتها ومقاتلاتها الإستراتيجية المحملة بالصواريخ المجنحة إلى محيط سورية الإقليمي، بغية استهداف مواقع الجيش العربي السوري تحت الذريعة نفسها.
إنتاج الذريعة المتكرر تسعى دمشق وحلفاؤها لسحبه إذ مع كل إعادة إنتاج تسارع الدفاع الروسية للكشف عن التحضيرات التي تجري من أدوات دول العدوان على سورية والمتمثلة بشكل رئيسي بالتنظيمات الإرهابية وما يسمى «الخوذ البيضاء» عبر فضح الأمر إعلامياً أي مقابلة ادعاء الغرب عبر الدعاية الإعلامية بأن الجيش العربي السوري سيستخدم الكيميائي ضد المنطقة التي يسيطر عليها الإرهابيون والتي تكون مستهدفة في العملية العسكرية القادمة للجيش، بدعاية مضادة تكشف من خلالها موسكو وعلى أعلى المستويات تفاصيل التمثيلية الجديدة، وهو ما يحدث الآن بخصوص ذريعة كيميائي إدلب.
اللافت هذه المرة أن واشنطن وحلفاءها في حين تقرع طبول الحرب في الشمال فهم يعدون العدة لإقامة حفل زفافهم في الشرق، إذ إن قيام واشنطن بنشر منظومة «دفاع جوي» متطورة في شرق سورية، وإن لم يكن يعني فيما يعنيه بقاء طويل الأمد في سورية خصوصاً أن منظومات الدفاع الجوي يمكن إزالتها في أي وقت كما أن واشنطن تعلن مراراً أن هدفها حماية تابعيها في المنطقة المتمثلين بقوات سورية الديمقراطية وتنظيمات مسلحة أخرى.
بموازاة ذلك فإن الأمر مرتبط بتوقيع الاتفاق العسكري الإيراني السوري، والذي ثبّت معاهدة دفاع مشترك، قال عنها وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، الذي زار دمشق أخيراً، إن الاتفاقية «تسمح بمواصلة الوجود والمشاركة الإيرانية في سورية»، ومن ثم أرادت الولايات المتحدة قطع الطريق على إيران في الشمال بنشر منظومة دفاع جوي قد تمتد من التنف في الجنوب الشرقي إلى عين العرب في الشمال، وهو ما يفسر حديث واشنطن عن استغنائها عن خدمات قاعدة انجرليك التركية.
المنظومة السابقة تشكل عامل حماية لإسرائيل من أي مواجهة محتملة مع إيران كما أنها تحمل النبض لإعادة الحياة لمشروع التقسيم الأميركي.
إن تنفيذ المخطط الأميركي السابق يقتضي هذه المرة استباق الحدث عبر خلق الذريعة مبكراً بغية الإفلات من إمكانية سحبها من قبل سورية وحلفائها فهي في الوقت الذي تقرع فيه طبول الحرب «لأجل الشمال» عبر إعادة إنتاج ذريعة الكيميائي فإنها ستستبق الحدث بالقول إنها ستغلق المجال الجوي في الشرق في عملية استباقية لمنع استخدام الكيميائي في الشرق!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن