طبقة جديدة
| زياد حيدر
الصفوف الطويلة من السيارات المنتظرة في قيظ آب، على الجسر الفاصل بين نقطتي العبور، على الحدود السورية اللبنانية، باتت مظهرا من مظاهر كل صيف.
توقف مطار دمشق الدولي، عند حدود الخدمة الدنيا بسبب العقوبات، ترك الخيار الوحيد بالسفر قدوما ومغادرة لمئات الآلاف من السوريين المغتربين عبر منفذ مطار بيروت الدولي، ولا سيما أن الحدود البرية مفتوحة وميسرة الحركة بين البلدين.
الصفوف الطويلة، والحجوزات الصيفية، والتحويلات المالية الاغترابية التي تتجاوز المليار دولار سنويا، بدأت تجسد نتيجة ملموسة من نتائج الحرب التي بدأت منذ سبع سنوات ولم تنته نهائياً بعد، وهي تكون طبقة جديدة، من الطبقات الاجتماعية العديدة التي تكونت بسبب الحرب، من فقراء كثر وأثرياء جدد، حيتان مفترسة وأسماك تبحث عن النجاة، وطيور مهاجرة.
من بين تلك الطبقات العديدة، طبقة المغتربين الجدد، وتحديدا الذين غادروا البلاد بسبب الحرب، أو اتخذوا قرارهم بالاستقرار خارجا نتيجة لهذه الحرب، بعد تردد حيال العودة، رافق سنوات النمو الاقتصادي في العقد الماضي.
صحيح أن الاغتراب هو جزء من تاريخ مجتمعات شرق المتوسط وشماله الأقصى، والهجرة ظلت ملاذا منذ بدايات القرن الماضي، ولا سيما بسبب القرب الجغرافي لـ«العالم المتقدم»، أو بسبب الفرص الجديدة المتوافرة في أميركا الجنوبية. إلا أن هذه الهجرة كانت تتراجع بين زمن وآخر، أو تزيد، وفقا لظروف البلدان السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وربما يكون الاستنتاج أن أكبر حركة هجرة حصلت في تاريخ سورية الحديث، هي التي جرت في السنوات السبع الأخيرة، سواء كانت نظامية أم غير نظامية.
وحتى تخرج دراسات ديموغرافية علمية، يمكن تبنيها لأعداد السوريين الذين، استقروا في بلدان أخرى، يمكن الترجيح حالياً أن أعدادهم هي بالملايين، وذلك عن طريق العلامات السابقة، من حضور كثيف في عطل الصيف والشتاء، وحجم التحويلات المالية السنوية.
هذا كله يشير إلى تشكل هذه الطبقة الجديدة وهي طبقة المغتربين الجدد، طبقة مختلفة عن طبقة المغتربين القدامى، الذين استقروا منذ القرن الماضي في أميركا اللاتينية وهم بعشرات الملايين، أو سافروا لقسمي أوروبا الغربية والشرقية بقصد العلم، وبقوا هناك.
الطبقة الجديدة، أكثر شبابا، وهي من العائلات الصغيرة، وهي طبقة، شاهدت البلاد في نهضتها المبتدئة بين عامي 2005 و2010، ورأت علامات الازدهار ترتفع ومن ثم تذوي، ففضلت البحث عن الاستقرار وفرص الحياة الآمنة خارج البلاد، سواء عبر المغادرة النظامية أم الهجرة غير الشرعية.
هذه الطبقة، مختلفة، عن سابقتها أيضا، لأنها عاشت الحرب بطريقتها الخاصة، عبر التواصل الدائم مع الأهل والأخبار المستندة لشبكات التواصل، والزيارات القصيرة، مبقية على خطوط التماس والاتصال بين الماضي القريب والحاضر المتجدد، الماضي الذي ثمة حنين ما إليه، والحاضر المملوء بالأسئلة الوجودية، متلمسة هذا الفارق بين العام والعام الذي يليه، في مدن وقرى ولادتها، وحواري نشأتها، ومدارسها وجامعاتها.. وبالطبع يقوم أفراد هذه الطبقة بالمقارنة غير العادلة بين خدمات وظروف أماكن معيشتهم الحالية، وبين مثيلاتها في بلدهم، وهذا الأمر لا ينطبق على المغترب السوري، فقط وإنما على المغترب اللبناني والعراقي، ومجمل البلدان التي مرت بظروف قاسية، سمحت لهذه الطبقة بالنشوء والنمو والاستقرار، خارج البلدان الأم. هذه الطبقة، وللحديث بقية، باتت موجودة، وأتساءل إن كانت الحكومة رأتها بعد.