قضايا وآراء

التوازن العالمي والتطورات المتسارعة لمصلحة سورية وحلفائها

| تحسين الحلبي

يقول جيسون ديتس المحرر السياسي بمجلة أنتي وور الإلكترونية المناهضة لسياسة الحروب الأميركية إن المسؤولين في إدارة أوباما وصفوا علناً في عام 2013 أن سياستهم تجاه سورية هي أن تبقى الحرب مستعرة داخلها بهدف عرقلة انتصار سورية على الإرهابيين، ويستنتج ديتس أن إدارة ترامب يبدو عليها الانزلاق بنفس الاتجاه التدميري في هذه الأوقات وهذا ما تؤكده صحيفة واشنطن بوست الأميركية حين نشرت في الأسبوع الماضي أن أحد المسؤولين في إدارة ترامب قال للصحيفة: إن «مهمة الولايات المتحدة الآن هي المساعدة على خلق كابوس لسورية وروسيا إلى أن تحقق واشنطن ما تريد». وعلى غرار ما هدفت إليه إدارة أوباما يبدو واضحاً أن إدارة ترامب تحاول الحصول على أي مكسب مناسب في مرحلة ما بعد الانتصار الذي حققته مع حلفائها على الحرب الأميركية-الإسرائيلية بعد.. لكن ترامب والمسؤولين في إدارته ربما لا يلاحظون التغيرات التي طرأت على ميزان القوى العالمي وانعكاسه لمصلحة سورية في هذه الأوقات وبالمقارنة مع مرحلة عام 2013 التي هدد فيها أوباما بشكل مباشر وعلني بشن هجوم عسكري أميركي على سورية وحدد له ساعة الصفر ثم تراجع عنه بعد أن تبين له ولإدارته أن حرباً كهذه لن يتحقق منها أي هدف أميركي بل يمكن أن تغرق واشنطن بمجابهات واسعة لن تقتصر على الساحة السورية فقط. وها هو الكاتب السياسي كون هالنيان أحد الباحثين في مركز دراسات (السياسة الخارجية تحت البؤرة) (fpif) يؤكد في دراسة بعنوان (تحولات في حلفاء واشنطن) أن معظم المعلومات والتوقعات تبين أن عدداً من دول آسيا والشرق الأوسط يقومون الآن بتقييم لإعادة النظر في تحديدهم للأعداء وللأصدقاء فالهند وباكستان خاضتا ثلاث حروب في منتصف القرن الماضي لكن الدولتين أصبحتا الآن عضوين في منظمة شانغهاي للتعاون التي تقودها الصين وروسيا وتضم دولاً كثيرة من آسيا وها هي القيادة الباكستانية الجديدة برئاسة عمران خان يدعو إلى حوار لا ينقطع بين الدولتين من أجل السلام والاستقرار ويوجه جملة انتقادات ضد السياسة الأميركية في أفغانستان وضد استخدام واشنطن طائرات بلا طيار لضرب أهداف في باكستان وها هي روسيا تقنع طالبان بقبول دعوة لمحادثات السلام في موسكو في 4 أيلول الجاري بهدف إنهاء حرب أميركية دامت 17 سنة ضد أفغانستان كما يبدو أن روسيا تتطلع إلى تحييد أردوغان عن عرقلة أي حل سلمي أهلي بين حكومة دمشق والمجموعات المسلحة للمعارضة ونجحت في مؤتمر صحفي عقده وزيرا خارجية الدولتين روسيا وتركيا في انتزاع موقف تركي أعلن فيه وزير الخارجية التركي أن الحكومة السورية ستظل مستمرة في وجودها لحل الأزمة وهذه العبارة لم تكن موجودة في السياسة الأردوغانية خلال السنوات الماضية.
وتزداد يوماً تلو آخر بموجب آراء معظم المراقبين حاجة أنقرة الماسة لموسكو وطهران وهما الحليفان المركزيان لسورية في مجابهة الإرهاب وحروبه والمحافظة على سيادة سورية ووحدة أراضيها.. ففي أعقاب التوتر الظاهر في العلاقة بين ترامب وأردوغان وكذلك بين أردوغان وبعض الدول الأوروبية فقد أردوغان عدداً من الأوراق التي كان يستند إليها في سياسته العدائية لسورية والعراق وأصبح مضطراً للبحث عن مخارج مؤقتة أو شبه دائمة بعد تدهور وضع اقتصاد تركيا وخياراتها الضيقة.
وعلى جبهة آسيا عند بحر الصين وجواره أعلنت القيادة الصينية في 2 آب الماضي «انفراجاً» في محادثاتها مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا بما في ذلك فيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي بعد سنوات من التهديدات المتبادلة بل شاركت هذه الدول بعد هذا الانفراج عن طريق الكومبيوتر في مناورة بحرية ووعدت الصين هذه الدول بالتعاون معها في موضوع استكشاف النفط والغاز وإذا قورنت هذه الأوضاع الجديدة بين الصين ودول عديدة في آسيا مع مرحلة إدارة الرئيس بوش الأبن سنجد أن واشنطن حاولت في عهده إيجاد تحالف بين الهند واليابان وأستراليا لمحاصرة الصين وأغمضت واشنطن أعينها عن خرق نفذته الهند في الموضوع النووي وأوقفت حظر بيع الأسلحة للهند وعدلت وزارة الدفاع الأميركية في عهد بوش تسمة القيادة العسكرية للمحيط الهادئ وأطلقت على هذه القيادة (للمحيط الهادئ والهندي بعد تقاربها مع الهند لكن الهند بدأت بتغيير سياستها في أعقاب اجتماع القمة الذي عقده زعيما الصين والهند في نيسان الماضي واتفقا على تعزيز التقارب والتعاون بين الدولتين، وستنضم الصين إلى هذا التعاون عن طريق مد أنابيب خطوط الغاز الإيراني باتجاه باكستان والهند الجائعة للغاز ولذلك رفضت الهند الالتزام بالعقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران. ورغم استمرار وجود خلافات بين الصين والهند على الحدود وباكستان والهند وكذلك بين موسكو وأنقرة إلا أن البوابة الواسعة التي فتحتها كل من موسكو وبكين للدول التقليدية في تحالفها مع واشنطن لا بد وأن تحمل معها تغيير لمصلحة القوة الإقليمية الصاعدة التي تشكلها سورية وإيران والعراق معاً ولمصلحة القوة الدولية الكبرى التي تشكلها كل من روسيا والصين وتحالفهما مع قوى محور المقاومة في الشرق الأوسط فالزمن وتطوراته السياسية بدأ يشق طريقه لمصلحة سورية وحلفائها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن